قال (الصادق) عليه السلام : (إياكم والتقليد، فإنه من قلد في دينه هلك) إن الله تعالى يقول : (اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله) فلا و الله ما صلوا لهم و لا صاموا ، و لكنهم أحلوا لهم حراما ، و حرموا عليهم حلالا ، فقلدوهم في ذلك ، فعبدوهم و هم لا يشعرون).
: السلام عليكم و رحمة الله و بركاته و عظم الله اجوركم :
هذا الحديث بعثه لى احد اتباع المسمى احمد الحسن اليماني الذي يدعي انه نائب الإمام المهدي المنتظر عجل الله تعالى فرجه الشريف الله يهديه و يرجعه إلى الحق و الصواب
شيخنا هل هذا الحديث صحيح ام كلمة حق أريد بها باطل إذا صح التعبير …
لكم الأجر و الثواب لما تقومون به من جهد عظيم في التصدي للأفكار الخاطئة و الأفكار المتعمده في تظليل الناس
_____________________________________
و عليكم السلام و رحمة الله و بركاته
كتبت فيما سبق مقالاً مختصراً عن التقليد فبينت فيه بعض الأمور المتعلقة به و أجبت فيه عن بعض الشبهات الواردة ، و أما فيما يتعلق بهذه الشبهة التي يطرحها هذه الجماعة فأقول مختصراً :
ذيل الحديث يدل بكل وضوح أن المقصود تقليد العلماء الذين يحرمون الحلال و يحللون الحرام فتقليدهم في ذلك نوع من العبادة لهم حيث أن “من أصغى إلى ناطق فقد عبده فإن كان الناطق ينطق عن الله فقد عبد الله و إن كان الناطق ينطق عن الشيطان فقد عبد الشيطان” كما ورد في الحديث ، و من الواضح أن العلماء الذين يحرمون الحلال و يحللون الحرام ( و هم في الحقيقة و في المنظور القرآني ليسوا علماء لأن العلماء هم من يخشون الله تعالى فمن لا يخشاه ليس بعالم حيث قال تعالى : “إنما يخشى الله من عباده العلماء” ، فيتبين أن من لم يخشه ليس بعالم و إن تسمّى عالماً كما قال أمير المؤمنين عليه السلام : “و آخر قد تسمى عالماً و ليس به” .. فهؤلاء 🙂 لا ينطقون عن الله بل ينطقون عن الشيطان و أهوائهم الشيطانية فطاعتُهم و تقليدُهم عبادةٌ للشيطان بل تقليدهم تأليهٌ لهم قبال الله تعالى بقبول تشريعاتهم و خروجٌ عن التوحيد في بعض مراتبه، و أما إذا كان العالم فقيهاً ورعاً مطيعاً لله و واجداً لسائر صفات و شرائط المرجعية فهو لا يتحدث عن نفسه و أهوائه و لا ينطق نيابة عن الشيطان و لا يحلل الحرام و لا يحرم الحلال بل يبذل قصارى جُهده و یُفْرِغُ وُسْعَهُ لمعرفة حكم الله تعالى ثم نشره بين العباد ليعملوا به و .. و هذا التقليد طاعة لله تعالى و عبادة له جل و علا لأن هذا العالم الناطق بأحكام الله ينطق عن الله بما قام لديه من الحجة الشرعية، و الإصغاء إلى الناطق عن الله و اتباعه طاعةٌ و عبادة لله جل و علا، و قد ورد في الحديث المشهور حول تقليد هذه الأمة أنه إذا كان تقليدهم على غرار تقليد اليهود الذين كانوا يقلدون الفسقة ممن يحرم الحلال و يحلل الحرام فهم مثل اليهود و تقليدُهم كتقليدِهم مذمومٌ و أما إذا كان الفقيه متصفاً بالصفات التي تمنعه من بيان خلاف حكم الله تعالى من الورع و التقوى و مخالفة الأهواء فلا إشكال في تقليده لأنه ينطق عن الله فطاعته طاعةٌ و عبادةٌ لله جل و علا و إليكم نص الحديث المشهور المنقول في الاحتجاج للطبرسي ج ٢ ص٢٦٠ و ما بعدها : “… و كذلك عوام أمتنا إذا عرفوا من فقهائهم الفسق الظاهر و العصبية الشديدة و التكالب على حطام الدنيا و حرامها … فمن قلد من عوامنا مثل هؤلاء الفقهاء فهم مثل اليهود الذين ذمهم الله بالتقليد لفسقة فقهائهم ، فأما من كان من الفقهاء صائناً لنفسه حافظاً لدينه مخالفاً على هواه مطيعاً لأمر مولاه فللعوام أن يقلدوه ، و ذلك لا يكون إلا بعض فقهاء الشيعة لا جميعهم …” .
فكما ترون : إن أمثال هذه الرواية ليست بصدد المنع من أصل التقليد و ذم المقلدين بقول مطلق بل هي في مقام المنع من تقليد من يتبع الأهواء و يحرم الحلال و يحلل الحرام لأجل حطام الدنيا و أما العلماء العاملون المتقون فلا منع من تقليدهم و لا ذم على مقلديهم ، و قد بينا في محله أن قوله عليه السلام : “فللعوام أن يقلدوه” ليس لبيان جواز التقليد بل ورد في مقام دفع توهم الحظر حيث استُفید من صدر العبارة المنع من تقليد من يُحَرِّمُ الحلالَ و .. فمن الممكن أن يتوهم أحد أن التقليد بما هو تقليد محظور و مذموم و إن كان من يراد تقليدُه ورعاً تقياً، فدفع هذا التوهمَ بقوله : “و أما من كان من الفقهاء صائناً لنفسه … فللعوام أن يقلدوه” فلا ينافي وجوب التقليد على من لا يكون مجتهداً و لم يبلغ درجةً علميةً تُمَکِّنُه من الاحتياط …
موفقين لكل خير
أيوب الجعفري
سؤال آخر من أحد الإخوة بعد قراءة الجواب السابق :
انا صراحة للحين مو عارف ليش احنا لازم نقلد مرجع و القرآن موجود لا يترك صغيرة ولا كبيرة
الجواب :
هل يعرف الجميع جميع ما ورد في القرآن؟ و هل يعرفون الناسخ من المنسوخ؟ العام و الخاص ؟ و المطلق و المقيد ؟ و المجمل و المبين ؟ و هل ورد في ظاهر القرآن جميعُ الأحكام الشرعية و سائر المعارف الدينية ؟ و هل ورد جميع أحكام الصلاة التي نبتلى بها ليل نهار في ظاهر القرآن الكريم ؟ و ماذا عن الأحكام التي يقل الإبتلاء بها ؟ و هل يعرف عامةُ الناس المخصِّصات و المقيِّدات الوادة في الروايات ؟ و هل يمكن تقييد أو تخصيص أو نسخ القرآن بالروايات ؟ فهل يعرف من لا اختصاص له في العلوم المختلفة من الناس ما يجب فعله في صورة تعارض الروايات مع الآيات بالعموم و الخصوص أو بالإطلاق و التقييد ؟ و هل يعرفون الروايات المعتبرة من غيرها ليتمسكوا بها و يعرفوا ما هو حجة و ما ليس بحجة شرعية ؟ و إذا كانت الروايات متعارضة في مسألة ما – و كثير من المسائل تتعارض فيها الروايات – فهل يتمكنون من علاج التعارض ؟ و إذا اجتمع في مورد ما الأمر و النهي فوقع التزاحم بينهما فما هو الحكم ؟ و ما هو العمل في موارد الشبهة؟ و لا يخفى على أهله أن الشبهات كثيرة جداً فقد تكون الشبهة بدوية و قد تكون محفوفة بالعلم الإجمالي و المحفوفة بالعلم الإجمالي قد تكون محصورة و قد تكون غير محصورة ، و قد يكون جميع الأطراف مورد ابتلاء المكلف و قد يكون بعضها خارج نطاق ابتلائه ، كما أنه قد تكون الشبهة مفهومية و قد تكون مصداقية .. قد تكون حكمية و قد تكون موضوعية ، و في الحكمية قد يكون منشأ الشبهة فقد النص و قد يكون المنشأ تعارض النصين و قد يكون إجمال النص ، فما العمل في هذه الشبهات و كيف يعرف المكلف حكم الله تعالى في هذه الموارد ؟ و متى تجري أصالة البراءة و متى يكون المورد مجرى أصالة الاشتغال و الاحتياط ؟ و متى و أين يمكن إجراء أصالة الصحة و متى و أين لا يمكن ذلك ؟ و عشرات بل مئات المسائل العلمية التي يبتني عليها آلاف المسائل الفقهية من قبيل ذلك، هل يعرف الجميع ما هو الحكم الشرعي و بما ذا يجب أن يفتي أو يعمل به و …
لماذا لا يقال بأن كتب الطب والهندسة و .. موجودة بأيدينا فلماذا يلزم أن نرجع إلى الأطباء و المهندسين فيما نحتاج إليه ؟ و لكن عندما نصل إلى الدين و الذي يتوقف معرفة أحكامه – فكيف بمعارفه العميقة – على التخصص في علوم متعددة ، نقول أن القرآن موجود بأيدينا فلماذا نحتاج إلى المراجع ؟ و كأن القرآن الكريم جريدة أخبارية يفهم الجميع جميع ما ورد فيها و ليس لها ظاهر و باطن و لا تبتني معرفتها على علوم عقيلة و نقلية ؟ و …
أيوب الجعفري
سؤال آخر :
كلامك صحيح شيخنا احنا نروح للطبيب لما نمرض ونختار الطبيب ولا يفرض علينا و نفس الموضوع المهندس نحن نختاره أما المرجع يجب أن نتبع مرجع واحد و هذا الشيء غلط ليش نتقيد بشخص واحد
والطبيب والمهندس لما يخدمونا يكفيهم الشكر و حقهم اما المرجع نعطيه القدسية انه لا يخطأ
اليوم الانترنت متوفر وكل سؤال نستطيع الحصول عليه من النت واي عالم دين نقدر نسأله
الجواب :
فإذن تقبلون بضرورة مراجعة الأخصائيين في الفقه، و أما ضرورة كون المرجع واحداً فليس أمراً مطلقاً بل الواجب هو الرجوع إلى الأعلم و قد يستفيد البعض ذلك من أدلة مختلفة و من جملتها قوله تعالى: “فبشر عبادِ ، الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه” و أحسن الأقوال قول أقوى الفقهاء في استنباط الأحكام الشرعية عن أدلتها التفصيلية – و هذا محل بحث و نقاش في الأوساط العلمية – ، و لهذا لو كان فقيهٌ أعلمَ في أبواب العبادات و فقيهٌ آخرُ أعلمَ في أبواب المعاملات و ثالثٌ أعلمَ في القضاء و الشهادات و رابعٌ أعلمَ في الحدود و الديات و… جاز بل وجب التبعيض في التقليد فالمكلف يقلد كلاً فيما هو أعلم فيه من غيره … و لكن هذا غير المراجعة للنت أو أي عالم دين فعموم العلماء الذين لم يبلغوا درجة الإجتهاد إنما هم نَقَلَةٌ لآراء المراجع، و النت وسيلة لمعرفة أحكام الدين حسب رأي الفقيه الذي يقلده المكلف ..
و أما بالنسبة للخطأ فلم يقل أحد بأن المراجع معصومون لا يخطأون، كيف و الاختلاف في وجهات النظر الفقهية كثير و وارد في جميع الأبواب الفقهية، و الكتب الفقهية الاستدلالية مليئة بمناقشات الفقهاء في الآراء الفقهية المختلفة و أحياناً نجد بعض الفقهاء يعبرون بعبارات ثقيلة فيقولون حول رأي واضح البطلان عندهم : “إن هذا مما تضحك عليه الثكلى” ..
و أساساً نحن الإمامية الإثنى عشرية و كذلك بعض أهل السنة نعتقد بإمكان بل وقوع الخطأ حتى من أعلم العلماء، و نُسمّى بالمُخَطِّئَة لأننا نعتقد أنه إذا اختلفت الآراء يكون أحدهما مطابقاً للواقع و الحكم الإلهي المحفوظ في اللوح المحفوظ و غير ذلك الرأي خطأ غير مصيب للواقع، قبال بعض أهل السنة – و ليس جميعهم – المُسَمَّون بالمُصَوِّبة حيث يقولون بأن الأحكام و الفتاوى الصادرة من الفقهاء كلها صحيحة مصيبة للواقع و إن كانت مختلفة فأحكام الله في واقعة واحدة و موضوع واحد مختلفة بعدد آراء الفقهاء ، و هذا ما لا نلتزم به نحن بل نراه خلاف بديهيات العقل و النقل …
و لكن لا يخفى عليكم أن احتمال الخطأ في آراء الفقهاء لا يعني أن العوام الذين لا اختصاص لهم في المباني الفكرية التي تبتني عليها الآراء الفقهية، يتمكنون من معرفة الخطأ من الصواب من تلك الآراء و إلا لكانوا مجتهدين متخصصين في الفقه و قد افترضنا أنهم عوام في هذا المجال .. بل هذا شأن الأخصائيين في الفقه و لا ضير في ذلك و نقد الآراء ليس من المحرمات بل هو أحياناً من الواجبات فيما توقف الوصول إلى حكم الله على النقص و النقص و الإبرام…
أيوب الجعفري