ما هو دليلك أنك مؤمن بالقرءان؟

ألاحظ على غالبية المسلمين عدم إحساسهم بالقرءان …..بل وتكذيبهم له في سبيل  تعظيم الرسول والأقوال المنسوبة للرسول.

وهذا ما يسميه الله [الكفر بآيات الله]….فأنتم مؤمنون بالقرءان إجمالا لكن غالبيتكم يكفرون ببعض آياته.

ومن بين ما كثر الكفر به هو تصور غالبية أهل الإسلام عدم وجود ذنوب للنبي غفرها الله له….بينما الحقيقة أنه وقع فيها….والذنوب يا إخوة هي مخالفات كان من المتوجب ألا تحدث.

وأنا أعلم بأن هذا الذي أقول به إنما يخالف ما ترعرعنا عليه من مفهوم عصمة الرسول…..

نعم هو معصوم في شأن الرسالة…لكنه بشر مثلنا يصيب ويخطئ بالأمور الحياتية…..

فالذي ينادي بالعصمة المطلقة لرسول الله إنما هو غير معترف بكل هذه الآيات التالية…. وغير معترف بأن النبي له ذنوب غفرها الله…. ويقوم مثل هذا  المسلم بتكذيب القرءان في صراحة ووضوح.

وإليك جانبا من الآيات التي يكفر بها أصحاب عقيدة معصومية الرسول في كل حياته وكل أقواله خارج الرسالة والتي تؤكد وجود ذنوب للنبي.

 لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِرَاطاً مُّسْتَقِيماً{2….سورة الفتح.

 {فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكَارِ }غافر55

 {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْوَاكُمْ }محمد19

أرجو أن تكون الفكرة قد وضحت وتجلت عن شأن معصومية الرسول أنها معصومية بشأن الرسالة وليس بشأن الحياة.

مستشار / أحمد عبده ماهر

محام بالنقض ومحكم دولي وباحث إسلامي

_____________________________________

 سلام عليكم ورحمة الله وبركاته 

بسم الله الرحمن الرحيم 

 قد التبس على الكاتب الميزان بالموزون فالعقيدة الثابتة بدليل قطعي هي الميزان و يجب توزين كل ما ورد مما قد يُسْتَشَمُّ منه خلاف ذلك بتلك العقيدة لا العكس فمثلاً قد ثبت أن الله تعالى عدل لا يجور فإذا ورد ما ينافي ذلك و يُسْتَشَمُّ منه الظلم و الجور لزم تأويل هذا الذي يُسْتَشَمُّ منه ذلك لا أن نأوّل عدله فنقول بأنه قد يصدر منه الظلم و عوذاً به تعالى لأجل ورود ما يستشم منه ذلك ..  و كذلك بالنسبة إلى العصمة فقد ثبتت العصمة الكبرى و المطلقة في العلم و العمل و الأخلاق و المعرفة عن الخطأ و السهو و العصيان و النسيان للنبي و الأئمة عليهم السلام و بأدلة قاطعة من العقل و النقل – ولسنا بصدد بيانها في هذه العجالة و قد نتطرق لذلك في الوقت المناسب بعون الله تعالى – فإذا ورد ما ينافي ظاهرُهُ العصمةَ لزم تأويله إلى ما ينسجم و العصمة لا أن نقيِّد العصمة بتبليغ الرسالة مما يؤدي إلى سلب الاعتماد على النبي الذي يخطأ و يعصي و ينسى و يسهو أو يمكن ذلك في حقه .. و هل يمكن الاعتماد على نبي يذنب و يعصي الله تعالى ؟ من يضمن أنه لا يعصي في نقل الشريعة ؟ ألا يحتمل العاقل أن من يعصي الله فقد يعصي في تبليغ الرسالة أيضاً ؟ – و ليس الكلام في الخطأ فحسب بل المستدل قد ذكر آيات يريد استفادة الذنب بالمعنى الذي يعرفه هو منها و هو ما يوجب العقاب – و إذا جاء احتمال الخطأ أو التعمد في النقل بخلاف الواقع سقط كلامه عن الحجية من الأساس لأن كل كلمة تصدر منه يحتمل فيها الخطأ أو تعمد نقل الخلاف .. 

هذا مضافاً إلى أن الآيات المذكورة لا تدل على الذنب بمعنى العصيان و الذنب المعهود في أذهان العامة ،  و لو كان هذا الذنب الموجب للعقاب هو المقصود لما كان تناسب بين فتح مكة و غفران الذنب بهذا المعنى في سورة الفتح  ..  فيلزم معرفة معنى الذنب و الغفران ليتبين المعنى بشكل دقيق ،  فنقول باختصار : 

  الذنب يعني ما يُسْتَوخَمُ عقباه فإذا كانت العاقبة الأخروية مُسْتَوْخَمةً و خطيرة كان عصياناً و خروجاً عن طاعة رب العالمين  و أما إذا كانت العاقبة الدنيوية خطيرة فقد يكون عصياناً و تمرداً على المولى الكريم كالإيحاء على السرقة  و.. و قد يكون من أعظم الطاعات لأن الجهاد في سبيل الله تعالى أيضاً عاقبتها خطيرة دنيوياً فقد يُقتَل المجاهد و قد یؤسَر و قد يصاب بجروح خطيرة أو إعاقة في الجسم و .. فهذا أيضاً ذنبٌ يعني أن له عاقبةً خطيرةً ،  و كذا دعوة الناس إلى التوحيد و ترك عبادة مئات الأصنام التي كانوا يعبدونها أمرٌ خطير يُعَرِّضُ الداعي للخطر في نفسه و ماله و.. و قد تحقق ذلك للنبي الخاتم صلى الله عليه وآله وسلم حين قتلوا أصحابه و حاصروه و أخرجوه من وطنه و حاربوه و جمعوا الجمع و حشدوا الأحزاب لقتاله و … فهذه العاقبتة الخطيرة نشأت من الرسالة و الدعوة إلى التوحيد و النهي عن الشرك في مختلف مراحله ،  و هذا مناسب لفتح مكة فبعد فتح مكة لم يتمكن أحد من توجیه خطر عظیم على النبي و الدين المبين كما سنشير إلى ذلك مرة أخرى بعد بيان معنى الغفران فنقول : 

و أما الغفران فاصله للدفع لا الرفع فإن المِغْفَر أيضاً مأخوذ من الغَفْر و الغفران ، و المغفر يوضع على الرأس لدفع الضربة لا للعلاج و رفع الجرح الحادث بها ..  و كذا بالنسبة للأمور المعنوية و المتعلقة بالعمل فقد يكون  الغفران دفعاً للأخطار الدنيوية و قد يكون دفعاً للعصيان بالمعنى المعهود لدى عامة الناس و قد يكون رفعاً لآثار العصيان ،  فإذا كان الغفران لرفع آثار العصيان كان الذنب بمعنى العصيان الموجب للعقاب و أما إذا كان دفعاً لأخطار الدنيا أو دفعاً للعصيان بمعنى إيجاد حاجز بين الإنسان و عصيان الله تعالى و هو – أي هذا الحاجز  – العصمة الربانية التي يمتنع المعصوم بسببها عن معصية رب العالمين بل لا يخطر بباله بسبب ذلك أن يعصي الله تعالى .. كان من أعظم الطاعات 

   المناسب في هذه الآيات هو الغفران بمعنى دفع الأخطار الدنيوية التي كانت تتوجه إلى النبي قبل فتح مكة المكرمة حيث فرضوا عليه أكثر من سبعين غزوة ناهيك عن السرايا فكانت تشكّل خطراً عظيماً على النبي صلى الله عليه وآله وسلم و على الأمة و الدين الإسلامي ..  و لا بأس بالقول بأن الغفران هنا يعني دفع المعاصي أيضاً و الذي تكون نتيجته العصمة يعني على طرف النقيض مما استنبطه هذا الكاتب فهو قد استنبط أن النبي غير معصوم في حين أنه إذا قلنا أن المقصود إيجاد حالة دافعة عن الذنوب و المعاصي كان الغفران بمعنى العصمة لا نفيها .. 

و بناءً على ذلك يلزم التدقيق في مضامين و مفاهيم الآيات و معرفة الميزان من الموزون كي تتبين مقاصد الله جل جلاله لا أن نتهم الغير بالكفر بآيات الله حسب الفهم الخاطئ من الآيات ،  و طبعاً هكذا تكون النتيجة إذا كانت معرفتنا بمفاهيم الدين و المعارف العميقة الإلهية ،  سطحيةً من دون تخصص ،  حيث لا يكفي التخصص في العلوم المتداولة في الجامعات و غيرها لفهم المقاصد المعرفية العالية و العميقة في القرآن الكريم و السنة المباركة ، فكما لا يكفي التخصص في الفقه لمعرفة علاجات الأمراض الجسمية كذلك لا يكفي التخصص في الطب و الهندسة و حتى العلوم التربوية و الحقوق و .. لمعرفة الفقه بنحو تخصصي و لاستنباط الأحكام من أدلتها التفصيلية فكيف بالمسائل العقدية و المعارف الإلهية العميقة  و …. 

و في النهاية و تتميماً للفائدة نتبرك بحديث في هذا المجال عن إمام البيان و البرهان علي بن موسى الرضا عليه آلاف حيث سأله المأمون عن أمور كان من جملتها قوله تعالى : ” ليغفر لك الله ما تقدم من ذنب و ما تأخر ” : لله درك يا أبا الحسن فأخبروني عن قول الله عز وجل: (ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر) قال الرضا عليه السلام: لم يكن أحد عند مشركي أهل مكة أعظم ذنبا من رسول الله (ص) لأنهم كانوا يعبدون من دون الله ثلاثمأة وستين صنما فلما جاءهم (ص) بالدعوة إلى كلمه الاخلاص كبر ذلك عليهم وعظم وقالوا: (اجعل الآلهة الها واحدا ان هذا لشئ عجاب وانطلق الملا منهم ان امشوا واصبروا على آلهتكم ان هذا لشئ يراد ما سمعنا بهذا في الملة الآخرة هذا إلا اختلاق) فلما فتح الله عز وجل على نبيه (ص) مكة قال له يا محمد: ( انا فتحنا لك) مكة (فتحا مبينا ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر) عند مشركي أهل مكة بدعائك إلى توحيد الله فيما تقدم وما تأخر لأن مشركي مكة أسلم بعضهم وخرج بعضهم عن مكة ومن بقي منهم لم يقدر على انكار التوحيد عليه إذا دعا الناس إليه فصار ذنبه عندهم ذلك مغفورا بظهوره عليهم . فقال المأمون : لله درك أبا الحسن …  – عيون أخبار الرضا ج ١ ص ١٧٩ – ١٨٠ 

 

و فقنا الله و إياكم لكل خير و ما فيه صلاح دنياهم و آخرتنا …