استفسار من أحد الفضلاء  :

 السلام عليكم ورحمة الله 

سماحة الشيخ الجليل 

تقبل الله اعمالكم

عندي سؤالان فضلا منكم

1. في بحث العلم و العالم و المعلوم من البداية و النهاية يذكر السيد العلامة – قدس – ان المفاهيم التي تحمل على الواجب و الممكن معا من المفاهيم الاعتبارية  (معقول ثانوي فلسفي)

و لكننا نجد اننا نحمل على الممكن و الواجب مفهوم “العلم”. و مشهور الفلاسفة بنى على ان العلم من مقولة الكيف النفساني. 

فكيف نجمع بين انه كيف نفساني من جهة و بين كونه محمولا على الواجب و الممكن معا.

2. السيد العلامة ذكر في النهاية في المرحلة الأولى و في البداية و النهاية في مرحلة العلم و العالم و المعلوم ان المفاهيم الحقيقية  (الماهوية) تؤخذ في حد افرادها خلافا للمفاهيم الفلسفية التي نسبتها الى مصاديقها ليست على نحو الاخذ في حدها.

و السؤال. ان الحيوانية مثلا او الناطقية تؤخذان في حد الانسان صحيح. و لكن الإنسانية نفسها لا تؤخذ في حد نفسها فلا تكون هذه الضابطة جامعه؟

——————————————————-

 و عليكم السلام و رحمة الله وبركاته 

* كون العلم من الكيفيات النفسانية مسلك المشائين في تفسير العلم  حيث يرون أن العلم هو انتقاش صورة الشيء الخارجي على النفس و أما بناء على مدرسة الحكمة المتعالية فالعلم نحو الوجود يتحد مع العالم فلا ضير في اتصاف الواجب و الممكن به .. و على حد تعبير الميرزا حبيب الله الهاشمي الخوئي في شرحه على النهج الشريف : ” ..  و أن العلم ليس بعرض لذات النفس كعروض اللون على الجدار كما ذهب إليه المشاءون و عدوا العلم من الكيفيات النفسانية ، و ذلك لأن الكيف عارض على المحل ، و العرض لا يكون مؤثراً في حقيقة شيء و جوهره و ذاته ،  كيف أنه كيف مع أنه يخرج النفس من الضعف إلى القوة و من الظلمة إلى النور و العلم نور يقذفه الله في قلب من يشاء فيكون العلم كمالاً للنفس في جوهرها و قوامها و ذاتها و أنى للعرض هذه الشأنية العظمى ،  بل العلم كما ذهب إليه المحققون من الحكماء المتألهين و أتباعهم و جل العرفاء الشامخين و أشياعهم خارج عن المقولات لأن العلم وجود و ليس الوجود جوهراً و لا عرضاً و وجود العلم يجعل النفس قوياً و يخرجها من الضيق إلى السعة بحيث يتحد العاقل مع المعقول    نعم مفهوم العلم كيف نفساني بلا كلام و يعد من الأعراض من هذه الجهة و ليس كمالاً للنفس و لا يخرجها من القوة إلى الفعل “ 

هذا مضافاً إلى أن المقسم في تقسيم العلم إلى الحقيقي و الاعتباري هو العلم الحصولي لا الحضوري و علم الواجب تعالى حضوري و ليس بحصولي و ما هو كيف نفساني – على افتراض صحته – هو الحصولي و أما الحضوري فهو عين العالم فهناك يتحد العلم و العالم و المعلوم و المتحد مع العالم لا يمكن أن يكون عرضاً و كيفاً ،  فلا مشكلة في كون العلم صفة محمولة على الواجب و الممكن معاً ..

هذا كله عن السؤال الأول و أما الثاني فسأرد له لاحقاً بعون الله تعالى .. 

                               أيوب الجعفري 

—————————————————

المستفسر الفاضل : 

ممتاز شيخنا .

و لكن على هذا لماذا احتاج السيد العلامة و صاحب الاسفار قبله الى ان يجيبا عن شبهة الوجود الذهني المشار اليها بابيات المنظومة 

فجوهر مع عرض كيف اجتمع

ام كيف تحت الكيف كل قد وقع.

بالتفرقة بين الحمل الاولي و الحمل الشايع. 

و الحال انه مع كون العلم من سنخ الوجود لا الماهية فلا يرد اشكال اصلا

—————————————————

* الإشكال هو اجتماع النقيضين حيث أن الجوهر إذا كان بوجوده الذهني أيضاً جوهراً لزم أن يكون مستقلاً في وجوده – أي أن يكون موجوداً لا في موضوع – و بما أن هذا الجوهر بوجوده الذهني قائم بالنفس فهو عرض أي أنه غير مستقل بل هو موجود في موضوع فيجتمع النقيضان و الجواب بأنه جوهر بالحمل الأولي و عرض بالحمل الشايع فلا يستلزم اجتماع النقيضين لأن من جملة الوحدات المعتبرة في استحالة اجتماعهما و التي اكتشف اعتبارها صدر المتألهين – مضافاً إلى الوحدات الثمانية المعروفة – هي الوحدة في الحمل .. هذا كله صحيح و لكن بحثنا نحن حول العلم في حد ذاته هل هو من الكيفيات النفسانية أم أنه نحو الوجود و ليس البحث حول مفهوم العلم الذي قلنا – و نقلناه عن الميرزا حبيب الله الهاشمي الخوئي – أنه كيف نفساني ،  و الحمل الأولي هو حمل المفهوم على المفهوم و القول باتحادهما ، و لا نظر في هذا الحمل إلى وجود ذلك المفهوم و عدمه فعندما نقول : ” الإنسان إنسان أو الجوهر جوهر ” فنظرُنا إلى هذين المفهومين حیث نقول بأنهما متحدان و لا نظر لنا لوجودهما و عدمهما ،  و من المعلوم أن ماهية الجوهر الذهني ليس له من الجوهرية إلا اسمها و مفهومها كما أن من المعلوم أن كل شيء هو هو و ليس غيره فنقول أن الجوهر الموجود بالوجود الذهني أي المعلوم جوهرٌ  مفهوما ، و لكنه بالحمل الشايع عرض بمعنى أن وجود هذا المفهوم الجوهري قائم بالنفس عارض عليه فهو عرض ،  هذا كله في مفهوم الجوهر و كذا بالنسبة لمفهوم العلم ، و أما حقيقة العلم فهي نحو من الوجود و ليس داخلاً في مقولتي الجوهر و العرض ليجتمع النقيضان لأن العلم هو جهة حضور المعلوم لدى العالم و الحضور هو الوجود ، فالمراد هناك حل مشكلة اجتماع النقيضين من الناحية المفهومية بأن إثبات الوجود الذهني يستلزم اجتماع النقيضين حيث يستلزم أن يكون مفهوم الجوهر جوهراً و عرضاً في آن واحد و الجواب بالتفريق بينهما بالحملين ، و أما في مبحث العلم فنقول أن حقيقته أمر وجودي فلا مشكلة في البين .. نعم بناءً على مبنى المشائين من أن حقيقة العلم كيفٌ نفساني يكون ذلك الجواب جواباً عن الإشكال في حقيقة العلم أيضاً مضافاً إلى مفهوم العلم ..

* و أما فيما يتعلق بالسؤال الثاني فمن المعلوم أن الشيء لا يؤخذ في تعريف نفسه فلا يقال في تعريف الإنسان أنه إنسان كذا و كذا ، و قد ثبت في محله أن الكلي الطبيعي موجود بوجود أفراده في الخارج لا بوجود مستقل فلا يمكن أن يكون جزءاً من حقيقة الفرد ( الجنس أو الفصل) ، كما تقرر أيضاً أن فرد الشيء عبارة عن نفس ذلك الشيء بشرط المشخصات و الخصوصيات الخارجية المنضمة إليه فزيد  فرد للإنسان و هو نفس الإنسان بضميمة عوارض و قيود خاصة كطول خاص و وزن خاص و لون خاص و .. 

    و بهذا يتبين أن المقصود أن المفاهيم الحقيقية تحكي عن كنه ذات الأشياء و ذاتياتها  و هي تُحمل على أفرادها لا أنها تؤخذ في حدها بالمعنى المعهود بل بمعنى أن المفهوم الحقيقي مقوِّم لفرده فعندما نقول : ” زيد إنسان ” فهذا يعني أن الإنسانية مقومة لحقيقة زيد و  حاكية لحده الوجودي و هذا ما أشار إليه العلامة الطباطبائي قدس سره الشريف في النهاية بقوله : ” ..  أن المفهوم إنما يكون ماهية إذا كان لها فرد خارجي تقوِّمه و تترتّب عليه آثاره ” .. 

     و بهذا يتبين أن الإنسانية أيضاً قابلة للحمل على أفرادها و هي حاكية عن حقيقتها و حدها الوجودي .. فلا مشکلة في جامعية الضابطة المذكورة.. 

   موفقين لكل خير