السلام عليكم ورحمة الله
شيخنا الكريم سؤال
ما معنى ما ورد في الرواية الشريفة
” ان روح المؤمن لاشد اتصالا بروح الله من شعاع الشمس بها”
_______________________________
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
* الإتصال و الارتباط المعنوي أقوى من الإتصال و الارتباط الجسماني فإن الإرتباط الجسماني لا ينشأ من الإدراك و الشعور – و إن كان الشعور سارياً في جميع الكائنات و لكن بقدر درجاتها و مراتبها الوجودية ، مضافاً إلى أن سريان الشعور و الإدراك في الكائنات لا يعني كون ارتباط أمر جسماني بمثله ناتجاً عن الشعور و الإدراك و الإختيار أو مبنياً عليهما … – و أما الارتباط المعنوي الروحاني فهو ناتج عن الشعور و الإدراك و الإختيار و لا أقل من كونه مبنياً عليهما ، فاتصال شعاع الشمس بها اتصال جسماني و القرب بينهما مادي بينما الإتصال بين الله و عبده معنوي روحاني فإذا كان الاتصال المعنوي أشد و أقوى من الجسماني فاتصال المؤمن بربه أشد من اتصال شعاع الشمس بها ..
* إذا تبين ذلك نقول : المؤمن يتمكن من التقرب إلى الله تعالى بإيمانه و عمله و معرفته و تعبده له جل و علا ، حتى يصل إلى درجة يكون محباً لله تعالى و محبوباً له جل و علا كما ورد ذلك في الحديث القدسي الذي يتحدث عن قرب النوافل حيث قال عز من قائل : ” ما يتقرب إليّ عبدي بشيء أحب ( إليّ) مما افترضت عليه و إنه ليتقرب إليّ بالنوافل حتى أحبه فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به و بصره الذي يبصر به و يده التي يبطش بها ” و في بعض الروايات : ” … فإذا أحببته كنت له سمعاً و بصراً و قلباً و يداً و رجلاً ، إن دعاني أجبته و إن ناداني لبيته ” ، و المستفاد من هذا الحديث القدسي أن قرب الفرائض أعلى و أقوى من قرب النوافل كما لا يخفى ..
فإذا كان العبد المؤمن المتقرب إلى الله تعالى بالنوافل محباً و محبوباً لله تعالى بحيث يصبح الله تعالى شأنُه سمعَهُ و بصرَه و .. و من المعلوم أن من يكون الله سمعه و بصره لا محالة يسمع ما لا يسمعه غيره و يرى من الحقائق و عالم الملكوت – ملكوت الأشياء و الإنسان و الأعمال … – ما لا يراه من لم يبلغ هذه المرتبة ، و من البديهي أن ارتباط من هو كذلك بالله تعالى أقوى و أشد من ارتباط الشعاع بالشمس و إن كان الشعاع صادراً من الشمس نفسها ..
* و من جهة أخرى قد أشار بعض العرفاء كالسيد الإمام قدس سره الشريف – مقتبساً من الروايات – ” أن السالك إلى الله يرى نفسه في محضر رب العالمين بل يرى ظاهره و باطنه ، و سرّه و علنه عين الحضور لدى الله جل و علا … ” فإذا كان تمام وجوده عين الحضور لدى الله و لم يَرَ لنفسه هُوِیّةً سوى الحضور عنده جل و علا – و هو من جملة مراتب الفناء – فلا محالة يكون اتصاله بروح الله – أي بذاته تعالى – أشد من اتصال شعاع الشمس بها ..
* و من جهة ثالثة قلب المؤمن – الذي هذّب نفسه و أزال ظلمات الذنوب و كدورات الرذائل من قلبه – عرش الرحمن و مرآة لجماله و جلاله ، فالمؤمن البالغ هذه الدرجة مظهر لجمال الله و جلاله تعالى و على حدّ تعبير المولى صالح المازندراني في بيان وجه أشدية اتصال روح المؤمن بروح الله تعالى : ” المؤمن مرآة الحق يرى فيه صفاته و لو ظهر ذلك الإتصال ليرى كأنه هو و لا يفرق بينهما إلا العارفون الذين يعلمون بنور البصيرة و العرفان أن هذا خلق اتصف بصفات الخالق ، و أما الجاهلون فيزعمون أنه هو ، بخلاف اتصال الشعاع بالشمس فإنه يفرق بينهما العالم و الجاهل ” .
فالتجلي الأسمائي و الصفاتي في قلب المؤمن الحقيقي يجعل الإتصال المعنوي بين الله و عبده بمنزلةٍ يُتصوَّر وحدتهما مع أن أحدهما مرآة تعكس الجمال و الجلال و الآخر هو الجمال و الجلال المنعکس في تلك المرآة فكما أن الناظر في المرآة ينظر إلى نفسه و لا يرى للمرآة وجوداً و يراها كأنها نفس الناظر إلى نفسه كذلك القلب الذي أصبح مرآة لجمال الله و جلاله جل جلاله و .. فهذا الإتصال لا محالة شديد لا يقاس به اتصال شعاع الشمس بها . ( و طبعاً بالنظرة الطبيعية و المتعارفة يكون تصور وحدتهما ناتجاً عن الجهل كما قال المولى صالح المازندراني قدس سره ، و إن كان ذلك بالنظرة المعرفية لدى العرفاء ببلوغ الإنسان المؤمن الكامل إلى درجة التوحيد الحقيقي الذي يسقط معه جميع التعينات ، عين التوحيد ، و يُطلب توضیح ذلك من أهله ) ..
* يقول العلامة المجلسي قدس سره في البحار أن المقصود من روح الله الروح التي اصطفاها الله و جعلها في الأئمة عليهم السلام ، كما يمكن أن يكون المراد بروحه ذاته تعالى إشارة إلى شدة ارتباط أرواح المقربين والمحبين من الشيعة المخلصين بجناب الحق تعالى ، حيث لا يغفلون عن ربهم ساعة ، و يفيض عليهم منه سبحانه آنا فآنا وساعة فساعة العلم و الحكمة و الكمالات و الهِدايات ، بل الإرادة أيضا لتخليهم عن إرادتهم وتفويضهم جميع أمورهم إلى ربهم كما قال فيهم : ” وما تشاؤون إلا أن يشاء الله ” وقال في الحديث القدسي ” فإذا أحببته كنت سمعه وبصره ويده ورجله ولسانه ” .
وفقنا الله و إياكم لمعرفته جل جلاله و معرفة أوليائه عليهم السلام و جعلنا و إياكم منهم …
أيوب الجعفري
ليلة الإثنين ٢٥ شعبان المعظم ١٤٣٨ هـ ق
الموافق ۲۲ / ۵ / ۲۰۱۷ م