السلام عَليكم و رحمة الله و بَركاته ..
شيخنا كم سؤال ..
– هل حَديث ( إِنَّمَا بُعِثْتُ لِأُتَمِّمَ مَکَارِمَ الْأَخْلَاقِ ) ضَعيف من جِهة السَند ؟
– و إن صَح السند ، فما تَفسير الحَديث ؟
____________________________
( تجدر الإشارة إلى أن المستفسر أرسل لي وصلة لمحاضرة أحد الخطباء يقول بأننا اعتدنا أن نتذكر الأخلاق عند ذكر النبي الأكرم صلى الله عليه و آله و سلم و أن مبعث النبي إنما كان لتتميم مكارم الأخلاق مع أن حديث : ” إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق ” ضعيف ، و غفلنا عن الأساس و هو تحصيل القدرة و الإمرة السياسية و … فكتبت له في الجواب ما يلي : )
_ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
* الهدف من خلق الإنسان و تشريع الأديان هو تعالي الروح و الكمال بالقرب العبودي إلى الله تعالى ..
* يتحقق تعالي الروح و تكامل الإنسان و رقيه في مدارج الكمال و القرب إلى الله تعالى بالعقيدة الحقة و الأخلاق الفاضلة و الأعمال الصالحة ، فاللازم إصلاح جميع الجوانب الروحانية و تكميل القوى الإدراكية و تعديل القوى التحريكية …
* الأخلاق من العناصر المهمة و الأساسية في تحقق ذلك الكمال ، بل الأخلاق الفاضلة و مكارمها هي المحققة للفلاح الذي هو الغاية القصوى للمؤمن ، و يمكن تلخيص الفلاح – كما يستفاد من بعض الروايات و التفاسير – في الحياة بلا موت و العلم بلا جهل و العز بلا ذل و الغنى بلا فقر و الصحة بلا مرض ، و هذا لا يتحقق إلا في الآخرة في جنات النعيم ، و قد علّق القرآن الكريم الفلاح على عدة عناصر منها ما يتعلق بالأعمال الصالحة و ترك المحرمات بعد ثبوت أصل الإيمان كما في بداية سورة المؤمنون .. و منها تهذيب النفس و تربيتها و تزكيتها كما في سورة الشمس حيث يُقسِمُ الله تعالى بالشمس و القمر و النهار و الليل و … لإثبات أن المفلح هو من زكّى نفسه و الخائب هو من دساها فقال عز من قائل : ” و الشمس و ضحاها و القمر إذا تلاها و … و نفس و ما سواها فألهمها فجورها و تقواها قد أفلح من زكاها و قد خاب من دساها ” ، فالهدف هو تعالي الروح الإنسانية و نتيجته فلاح الإنسان و هو لا يتحقق إلا بالإيمان و العمل الصالح و الأخلاق الفاضلة و أعلاها مكارم الأخلاق و هي الأخلاق الكريمة و أخلاق عظماء البشرية و من مصاديقها الإحسان إلى من أساء إلينا و العفو – حين المقدرة – عمن ظلمنا و صلة من قطعنا و …
* و من جانب آخر قد أمرنا الله تعالى بالتأسي بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم حيث قال جل و علا : ” و لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله و اليوم الآخر .. ” كما أمرنا باتباعه صلى الله عليه وآله وسلم فقال : ” قل إن كنتم تحبون الله و رسوله فاتبعوني يحببكم الله ” و من جملة خصائص النبي و ميزاته صلوات الله عليه و آله هو أنه على خلق عظيم حيث قال تعالى مؤكِّداً بعدة تأكيدات : ” و إنك لعلى خلق عظيم ” و قال أمير المؤمنين عليه السلام واصفاً النبي و مُبَیِّناً حالاته صلى الله عليه و آله و سلم قبل البعثة : ” و لقد قرن الله به صلى الله عليه و آله من لدن أن كان فطيما أعظم ملك من ملائكته يسلك به طريق المكارم ، و محاسن أخلاق العالم ليله و نهاره .. ” نهج البلاغة الخطبة ١٩٢ المعروفة بالقاصعة ..
فإذا كان صلوات الله عليه و آله على خلق عظيم و قد وكل الله تعالى به ملكاً یسلك به طريق المكارم من قبل ابتعاثه ، و من جانب آخر قد أمرنا أن نتبعه و نتأسى به فلا محالة يكون التخلق بأخلاقه – و هي مكارم الأخلاق – من أهم أهداف البعثة ، و لهذا ورد في الحديث الشريف : ” أكمل المؤمنين إيماناً أحسنهم خلقاً ” و ورد أيضاً : ” إن العبد ليدرك بحسن خلقه درجة الصائم القائم ” ..
* و النتيجة أن حديث : ” إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق ” لا يحتاج إلى سند بعد معاضدة القرآن و كثير من الأخبار له مضافاً إلى انسجامه مع هدف التكوين و التشريع المستفاد من الآيات و الروايات و اعتماد الفقهاء و المفسرين عليه من دون إيراد إشكال سندي عليه ، فما ورد في كلام سماحته من أن الحديث ضعيف و أن الأساس هو القدرة و السياسة غير دقيق بل غير صحيح فإن الحق المستفاد من الآيات و الروايات هو أن الكمال و القرب إلى الله تعالى هو هدف التكوين و التشريع و لا يتحقق ذلك إلا بالإيمان و الأخلاق الفاضلة و الأعمال الصالحة ، و كل ما سوى ذلك مما دعا إليه الدين المبين فهو وسيلة لنيل ذلك القرب و بلوغ ذلك الكمال ، فالحكم و السياسة و القدرة و .. وسائل مُمَهٍّدَةٌ لتحقيق الهدف و لهذا يعد أمير المؤمنين عليه السلام الدنيا أهون من عفطة عنز ، و النعل التي لا قيمة لها أحب إليه من الإمرة في حد ذاتها من دون النظر إلى أهدافها ففي الخطبة ٣٣ من نهج البلاغة : ” قال عبد الله بن العباس دخلت على أمير المؤمنين عليه السلام بذي قار وهو يخصف نعله فقال لي ما قيمة هذا النعل فقلت لا قيمة لها، فقال عليه السلام والله لهي أحب إلي من إمرتكم إلا أن أقيم حقا أو أدفع باطلا .. “
فكل ذلك يدل على أن الحكم و الإمرة و القدرات السياسية و العسكرية و … مطلوبة و لكنها كوسائل لا كأهداف و غايات ، و الغاية هي بلوغ درجة الإنسانية و صيرورة الإنسان إنساناً كاملاً مضاهياً لعالم الملكوت بل و أعلى من الملكوتيين ، و لا يمكن تحقيق ذلك إلا بتهذيب النفس و تحصيل الأخلاق الفاضلة و مكارمها و التقرب إلى الله جل و علا ..
وفقنا الله و إياكم للمعرفة و التخلق بمكارم الأخلاق و القرب إلى الحق عز و جل بحق محمد و آله الطاهرين صلوات الله عليهم أجمعين …
أيوب الجعفري
ليلة الإثنين ١١ شعبان المعظم ١٤٣٨ هـ ق
الموافق ٨ / ٥ / ٢٠١٧ م