سلام عليكم  .. 

معرفة الامام علي بالنورانية ( من عرفني بالنورانية كان بالغا كاملا و اطلع على سر من اسرار الله المكنون ) يعني شنو هذا !؟ 

______________________________

و عليكم السلام و رحمة الله و بركاته 

     عن أمير المؤمنين عليه السلام أنه قال – في حديث مفصل – لسلمان و أبي ذر رضوان الله تعالى عليهما : .. إنه لا يستكمل أحد الايمان حتى يعرفني كنه معرفتي بالنورانية فإذا عرفني بهذه المعرفة فقد امتحن الله قلبه للايمان وشرح صدره للاسلام وصار عارفا مستبصرا ، و من قصر عن معرفة ذلك فهو شاك ومرتاب، يا سلمان ويا جندب قالا : لبيك يا أمير المؤمنين ، قال (عليه السلام) : معرفتي بالنورانية معرفة الله عز و جل ومعرفة الله عز و جل معرفتي بالنورانية ……  اعلم يا باذر أنا عبد الله عز وجل و خليفته على عباده لا تجعلونا أربابا وقولوا في فضلنا ما شئتم فإنكم لا تبلغون كنه ما فينا و لا نهايته ، فان الله عز و جل قد أعطانا أكبر وأعظم مما يصفه و أصفكم أو يخطر على قلب أحدكم فإذا عرفتمونا هكذا فأنتم المؤمنون …… يا سلمان و يا جندب قالا : لبيك يا أمير المؤمنين صلوات الله عليك ، قال : كنت أنا و محمد نورا واحدا من نور الله عز و جل ، فأمر الله تبارك و تعالى ذلك النور أن يشق فقال للنصف : كن محمدا وقال للنصف : كن عليا ، فمنها قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) : ” علي مني و أنا من علي و لا يؤدي عني إلا علي ” …..  يا سلمان و يا جندب قالا : لبيك يا أمير المؤمنين صلوات الله عليك ، قال (عليه السلام): من آمن بما قلت و صدق بما بينت و فسرت و شرحت و أوضحت و نورت و برهنت فهو مؤمن ممتحن امتحن الله قلبه للايمان وشرح صدره للاسلام و هو عارف مستبصر قد انتهى و بلغ و كمل ، و من شك و عند و جحد و وقف و تحير و ارتاب فهو مقصر و ناصب . يا سلمان و يا جندب ، قالا : لبيك يا أمير المؤمنين صلوات الله عليك ، قال (عليه السلام) : أنا أحيي وأميت باذن ربي ، أنا أنبئكم بما تأكلون و ما تدخرون في بيوتكم باذن ربي ، و أنا عالم بضمائر قلوبكم و الأئمة من أولادي (عليهم السلام) يعلمون و يفعلون هذا إذا أحبوا و أرادوا لأنا كلنا واحد ، أولنا محمد و آخرنا محمد و أوسطنا محمد و كلنا محمد …… فهذا معرفتي بالنورانية فتمسك بها راشدا فإنه لا يبلغ أحد من شيعتنا حد الاستبصار حتى يعرفني بالنورانية فإذا عرفني بها كان مستبصرا بالغا كاملا قد خاض بحرا من العلم ، و ارتقى درجه من الفضل ، و اطلع على سر من سر الله ، و مكنون خزائنه . بحار الأنوار ج ٢٦ ص١ و ما بعدها . 

 أقول : هذه الرواية تفسر لنا معرفته عليه السلام بالنورانية و هي لا تحتاج إلى كثير توضيح و بيان إلا أنه تجدر الإشارة إلى بعض النقاط و هي  : 

١ – ليس المقصود من معرفته و معرفة سائر المعصومين من أهل البيت عليهم السلام بالنورانية معرفة أسمائهم و ألقابهم و نسبهم و البعد الجسماني و المادي من وجودهم عليهم صلوات الله الملك المنان ،  بل من جملة المصاديق المقصودة هي معرفة البعد الملكوتي من وجودهم و أرواحهم التي خُلقت من نور عظمة الله تعالى ، فمعرفتهم بالنورانية و بذلك النور الذي خُلقوا منه معرفة الله تعالى لأنهم من نور عظمته تعالى فمعرفتهم معرفة لنور عظمته جل و علا  .. 

٢ – معرفة كمالاتهم الوجودية سبب لمعرفة الله تعالى لأن الكمال هو الله تعالى و هو جل و علا عين الكمال و الإنسان الكامل من حيث كماله من مظاهر ذلك الكمال كما أنه محل لتجلي أسماء الله الحسنى و صفاته العليا فمعرفة كمالات المعصومين عليهم السلام معرفة الله و لهذا  

قال عليه السلام في هذا الحديث : ” معرفتي بالنورانية معرفة الله عز و جل ومعرفة الله عز و جل معرفتي بالنورانية “  كما جاء في الزيارة الجامعة الكبيرة : ” السلام على الأدلاء على الله  … السلام على من والاهم فقد والى الله و من عاداهم فقد عادى الله و من عرفهم فقد عرف الله و من جهلهم فقد جهل الله  ” و هناك روايات متعددة تدل – و بالسنة مختلفة – على أن معرفتهم عليهم السلام معرفة الله ( كقولهم عليهم السلام: من عرفنا فقد عرف الله ، و قولهم صلوات الله عليهم: من لم يعرفنا لم يعرف الله ، و قول أمير المؤمنين عليه السلام : نحن الأعراف الذي لا يعرف الله إلا بسبيل معرفتنا ) كما أن معرفة الله معرفتهم  – و قد يكون المقصود أن معرفتهم معرفة لله بالبرهان الإني ،  و معرفة الله معرفتهم بالبرهان اللمي ،  و قد بينا المقصود من البرهانين في بعض الأجوبة – … هذا مضافاً إلى أن الإنسان بشكل عام من أعظم آيات الله تعالى و قد جُمعت فيه جميع العوالم من البعد المادي و المثالي و العقلي فهو بوجوده جامع لعالم المُلك و الملكوت ( و قد نُسب إلى أمير المؤمنين عليه السلام أنه قال : أتزعم أنك جِرْمٌ صغیرٌ و فیك انطوى العالم ُ الأكبر ) فمعرفته معرفة لأعظم آيات الله و الآية لا شأن لها إلا الدلالة على ذيها و إذا كان الإنسان آية لله فلا شأن له إلا الدلالة على الله في أصل وجوده و صفاته و أفعاله و هذا ما يشير إليه الحديث المعروف من أنه : ” من عرف نفسه فقد عرف ربه ” – و بطبيعة الحال يمكن تفسير هذا الحديث بتناسبه كثيرة و بطريق البرهان الإني فمعرفة النفس يوجب معرفة الرب ، و بطريق البرهان اللمي فمعرفة النفس يدل على تحقق معرفة الرب قبل ذلك أي أن معرفة الرب أدى إلى معرفة النفس فيكون الحديث بمنزلة عكس النقيض لقوله تعالى :  ” نسوا الله فأنساهم أنفسهم ” .. فتأمل فإنه حقيق به  ..  

فإذا كان معرفة الإنسان نفسَه سبباً لمعرفة الرب – و قد ذكرنا بعض جوانب ذلك في بعض أجوبتنا – فماذا سيكون مؤدّى معرفة الإمام المعصوم عليه السلام الذي هو الآية العظمى لله جل و علا كما ورد عنه عليه السلام أنه قال : ” ما لله آية أكبر مني … ” و الذي هو المظهر الأتم لأسماء الله بل هو و سائر أهل البيت عليهم السلام عين الأسماء الحسنى كما سبق بيانه في مكتوب آخر .. 

٣ – معرفته عليه السلام بالنورانية يعني معرفة الجانب النوراني من وجوده عليه السلام و النور هو الظاهر في نفسه المظهر لغيره ، كما أن الله تعالى هو النور فهو عين الوجود و الوجود نور فهو جل جلاله الظاهر في نفسه و الموجود بذاته و المُظهِر لغيره من کتم العدم إلى نور الوجود فهو عين الظهور ” ألغيرك من الظهور ما ليس لك حتى يكون هو المظهر لك ” في عين كونه الغيب المطلق و ذلك لشدة ظهوره و نوره ،  فمعرفة الإمام عليه السلام الذي هو نور من نوره تعالى معرفة لذلك النور الظاهر و الذي هو الغيب المطلق في نفس الوقت … و نحن لا نتمكن من معرفة الذات الأحدية سبحانه و تعالى فعلينا أن نعرف آيته الكبرى و نبأه العظيم كي نعرفه تعالى بآيته الكبرى و أسمائه الحسنى الوجودية فمعرفته بالنورانية معرفة الله عز و جل و هو أحد جناحي كمال الإنسان الذي خُلق لأجل العبادة و المعرفة و تحصيل الكمال و القرب العبودي إلى الله تعالى بهما … 

٤ – الإنسان الكامل – و كما أشرنا – مظهر أسماء الله تعالى و صفاته بل هو عين الأسماء ،  كما أنه بقربه من مولاه الكريم و بعبوديته له يتمكن من فعل ما يفعله الرب الكريم و لكن بإذنه تعالى فإن ” العبودية جوهرة كنهها الربوبية ” و قد ورد في الحديث القدسي المشهور : ” عبد أطعني تكن مَثَلي أقول للشيء كن فيكون تقول للشيء كن فيكون ” فمعرفة الإمام عليه السلام و كماله بمشاهدة أفعاله الخارقة للعادة معرفة لله تعالى في كونه فعالاً لما يشاء بالإرادة فيريد فيكون ما يريد بمجرد أن يريد لأن فعله فعل الله تعالى لأنه بإذنه و قدرته جل و علا … 

و بذلك و أمثاله مما لم نشر إليه – كمقام الفناء الذي لا يرى العبد فيه سوى ربه و يكون بتمام وجوده بصراً و بصيرة لا يرى إلا جلال ربه و جماله و …  و فوق ذلك مقام البقاء بالله … –  يمكن معرفة كون معرفة الإمام عليه السلام بالنورانية موجباً لاستكمال الإيمان و أن العارف به عليه السلام ممن امتحن الله قلبه للايمان مستبصر  كما أشار إليه أمير المؤمنين عليه السلام في بداية الحديث و نهايته …

شَرَّفنا الله و إياكم بمعرفته بمعرفتهم صلوات الله عليهم  .. 

أيوب الجعفري

ليلة السبت ٢٢ ربيع الثاني ١٤٣٨ هـ ق 

الموافق  ۲۱ / ۱ / ۲۰۱۷ م