هل تعلمون ما هي القِصّةَ الحقيقية للغار الّذي لجئ إليه الرسول محمد (عليه السلام) مع صاحبه؟

يحكى من خلال كتب الأحاديث الباطلة، أنه عندما حاول المشركون قتل الرسول، لجأ هو و أبي بكر إلى غار في الجبل. ولقد تبعه المشركون و تقفّوا أثاره و وصلوا إلى الغار. و عند وصولهم وجدوا على باب الغار عنكبوتاً و قد نسج بيته، و حمامةً جالسة على بيضها، فظنوا بأن الغار لم يدْخُلُهُ احدْ، فغادروا المكان و هم متأكًدون بأنً محمًداً ليس في الغار.

هذه القصة ليست لها أي شيء من الصِّحة و هي مأخوذة عن كتب التراث الخبيثة

تعالوا معاً نقرأ القصة الحقيقيّة للغار، و فقط من القرآن العظيم.

سورة التوبة: من آية38 إلى 40

يأيها الذين ءامنوا ما لكم إذا قيل لكم اْنفروا في سبيل اْلله اْثاقلتم إلى اْلأرض، أرضيتُم باْلحيواة اْلدنيا من اْلأخرة فما متاعُ اْلحياة اْلدنيا في اْلأخرة إلاّ قليل (38) إلاّ تنِفروا يُعَذّبكم عذاباً أليماً و يستبدل قوماً غيركم و لا تَضرّوه شيئاً و اْلله على كل شيءٍ قدير (39) إلاّ تنصروه فقد نصره اْلله إذ أخرجه اْلّذين كفروا ثانِيَ اْثنَينِ إذ هما في اْلغار إذ يقول لصاحبه لا تحزن إنَّ اْلله معنا، فأنزل اْلله سكينته عليه و أيَّدَهُ بجنودٍ لم تَرَوُها و جعل كَلِمَةَ اْلّذين كفروا اْلسُّفلى و كَلِمَةَ اْلله هي اْلعُلْيا و اْلله عزيزٌ حكيم (40)

إنّ هذه الآيات تقصُّ علينا ما حدث آنذاك،أي في ذلك الوقت. لقد رفض الّذين آمنوا و دخلوا في الإسلام من قوم الرسول أن ينصروه و يحاربوا ضِدّ الكُفّار و المشركين، مِن الّذين يتربّصون بالرّسول و يريدون محاربته و قتله. و ذلك بسبب خوفهِم مِن القتال في سبيل الله و حُبِّهم في الحياة الدُنيا.

لقد فضَّلوا الحياة الدنيا على الآخرة، و هذا دليل على عدم إيمانهم و على نفاقهم. فلم ينصر الّرسول إلآ واحد من اصحابه المؤمنين، لم يذكر الله تعالى إسمه في القرآن.

و لقد كان الرّسول وحده مع صاحبه، مما اْضطرهم إلى ترك ديارهم و اللجوء إلى غار، لم يذكر الله إسمه و لا مكانه في القرآن.

و لمّا رأى صاحبه أنّ اْلذين آمنوا من قومه قد خذلوا الرّسول، شعر بالحزن و الأسى و الأسف و الخوف على الْرسول، و علم أنهم ليسوا إلاّ بجبناء و منافقين، فكيف يستطيعون أن يفعلوا ذلك برسولهم و لا ينصروه؟ و كذلك شعر بالخوف على الرّسول من الكفّار و المشركين، و نجد ذلك في مخاطبة الرّسول لصاحبه في آية 40:

“إذ يقول لصاحبه لا تحزن إنّ الله معنا”.

و إذا أكملنا هذه الآية نجد بوضوح كيف نصر الله رسوله بقوله تعالى:

“فأنزل اْلله سكينته عليه و أيّده بجنود لم تروها، و جعل كلمة اْلّذين كفروا السُّفلى و كلمة الله هي العليا و الله عزيز حكيم”.

من هم الجنود الذّي أيّده الله بها، و الّذي لا يستطيع أحد أن يراها؟

الجواب واضح فالآية تُفسِّر نفسها. لقد بعث الله بجنوده وهم الملائكة لنصرة الرسول، واستطاعت الملآئكة القضاء على الّذين كفروا والّذين كانوا يتربّصون بالرسول لمحاربته و قتله.

إن هذه ليست بالمرّة الأولى الّتي ينصر الله رسوله بالملآئكة، فلقد حاربت الملآئكة ففي مواقع كثيرة ضِدّ الكفّار و كذلك نصرت جميع رُسُلِ الله في مواقع كثيرة أيضاً.

هذه هي القصّة الحقيقيّة للغار من القرآن الكريم. إنّ واقعة الغار في القرآن تُثْبِتْ كَذِبْ القصص والأحاديث والسُنّة، و تنفي نفياً تاماً لِوجود عنكبوت أو غيرِه قد حمى الرسول آنذاك في الغار. و كذلك تدُلُّنا على كذب جهلاء الدين.

ألا يعلموا أن الله سبحانه و تعالى أمرهم أن لا يتّبعوا إلاّ القرآن الكريم؟

ألا يعلموا بأنهم بأحاديثهم الكاذبة يفترون على الله الكذب و يتطاولون عليه؟

ألا يعلموا و من القرآن الكريم أنه لا يجب عليهم أن يكتبوا كتب السنة والأحاديث و غيرها من ألوف الكتب المُئلّفة ثم يقولون هذا من عند الله ليشتروا به ثمناً قليلاً؟

إنهم يُتاجرون بالدين و يحوِّلون الشريعة والسنة الإلاهية إلى شريعة و سنة من صنع البشر. وهم بذلك يكفرون بآيات الله بإسم الدين الإسلآمي وبإسم الله، والله بريء منهم إلى يوم القيامة كما قال عنهم في:

سُوۡرَةُ التّوبَة

وَأَذَٲنٌ۬ مِّنَ ٱللَّهِ وَرَسُولِهِۦۤ إِلَى ٱلنَّاسِ يَوۡمَ ٱلۡحَجِّ ٱلۡأَڪۡبَرِ أَنَّ ٱللَّهَ بَرِىٓءٌ۬ مِّنَ ٱلۡمُشۡرِكِينَ‌ۙ وَرَسُولُهُ ۥ‌ۚ فَإِن تُبۡتُمۡ فَهُوَ خَيۡرٌ۬ لَّڪُمۡ‌ۖ وَإِن تَوَلَّيۡتُمۡ فَٱعۡلَمُوٓاْ أَنَّكُمۡ غَيۡرُ مُعۡجِزِى ٱللَّهِ‌ۗ وَبَشِّرِ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (٣)

سُوۡرَةُ التّوبَة

يَحۡلِفُونَ بِٱللَّهِ مَا قَالُواْ وَلَقَدۡ قَالُواْ كَلِمَةَ ٱلۡكُفۡرِ وَڪَفَرُواْ بَعۡدَ إِسۡلَـٰمِهِمۡ وَهَمُّواْ بِمَا لَمۡ يَنَالُواْ‌ۚ وَمَا نَقَمُوٓاْ إِلَّآ أَنۡ أَغۡنَٮٰهُمُ ٱللَّهُ وَرَسُولُهُ ۥ مِن فَضۡلِهِۦ‌ۚ فَإِن يَتُوبُواْ يَكُ خَيۡرً۬ا لَّهُمۡ‌ۖ وَإِن يَتَوَلَّوۡاْ يُعَذِّبۡہُمُ ٱللَّهُ عَذَابًا أَلِيمً۬ا فِى ٱلدُّنۡيَا وَٱلۡأَخِرَةِ‌ۚ وَمَا لَهُمۡ فِى ٱلۡأَرۡضِ مِن وَلِىٍّ وَلَا نَصِيرٍ۬ (٧٤) ۞ وَمِنۡہُم مَّنۡ عَـٰهَدَ ٱللَّهَ لَٮِٕنۡ ءَاتَٮٰنَا مِن فَضۡلِهِۦ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ ٱلصَّـٰلِحِينَ (٧٥) فَلَمَّآ ءَاتَٮٰهُم مِّن فَضۡلِهِۦ بَخِلُواْ بِهِۦ وَتَوَلَّواْ وَّهُم مُّعۡرِضُونَ (٧٦) فَأَعۡقَبَہُمۡ نِفَاقً۬ا فِى قُلُوبِہِمۡ إِلَىٰ يَوۡمِ يَلۡقَوۡنَهُ ۥ بِمَآ أَخۡلَفُواْ ٱللَّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا ڪَانُواْ يَكۡذِبُونَ (٧٧) أَلَمۡ يَعۡلَمُوٓاْ أَنَّ ٱللَّهَ يَعۡلَمُ سِرَّهُمۡ وَنَجۡوَٮٰهُمۡ وَأَنَّ ٱللَّهَ عَلَّـٰمُ ٱلۡغُيُوبِ (٧٨)

هذه القصة الصغيرة ليست إلاّ ذرّة من الأكاذيب الّتي كذّبوا بها و ما زالوا يُكذِّبون بها. و سوف تقرأون قصص ومواضيع كثيرة هي أعظم بكثير من قصة الغار و بإثبات من آيات الله العظيمة.

و إذا كان في زمن محمد (عليه السلام) منافقون كثيرون دخلوا بالدين الإسلامي و شهدوا بأن محمد رسول الله، فما بالكم الآن؟

لو تعلمون كم من المسلمين يقولون بأنهم مسلمون و مؤمنون، و هم منافقون و كفّار، و هم أسوأ من الّذين كفروا من أهل الكتاب و نجد ذلك في:

سورة التوبة آية (97):

ألأعراب أشدُّ كُفراً و نِفاقاً و أجدرُ ألاَّ يعلموا حُدودَ ما أَنْزَلَ اللهُ على رَسولِهِ، واللهُ عليمٌ حَكيمْ (97).

السؤال الّذي يطرح نفسه هو، إذا كانت قصة الغار المأخوذة من كتب الأحاديث هي صحيحة كما يقولون، فكيف يمكن لها أن تتناقض مع القرآن العظيم؟

—————————————————

سلام عليكم ورحمة الله وبركاته 

أصل قصة الغار الواردة في كتب التاريخ و الروايات لا ينافي الآيات فمن له إلمام بالقرآن و أسلوبه البياني و بالأحاديث الواردة عن المعصومين عليهم السلام يعلم بأن الآيات غالباً تبيِّن مقاصدها بالعمومات و المطلقات و يطرح أصل الموضوع و يترك التفصيل للنبي و المعصومين ليبيِّنوه  كما قال القرآن نفسه : ” و أنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نُزِّل إليهم و لعلهم يتفكرون ” –  النحل : ٤٤ – و قال تعالى :: ” إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس بما أراك الله ” – النساء : ١٠٥  – فقال أن الله قد أنزل الكتاب ليبينه الرسول صلى الله عليه وآله وسلم للناس كما في الآية الأولى فيبيِّن صلوات الله عليه و آله قيود الأحكام و المواضيع الواردة في القرآن و يفسر ما صعب فهمه و درك مقاصده لعامة الناس …  كما أنه يقول في الآية الثانية أنه تعالى أنزل الكتاب ليحكم الرسول بين الناس ولكن لا بالقرآن فقط بل : ” بما أراك الله ” و هو أعم من القرآن و السنة و لو كان المقصود الحكم بالقرآن فقط دون السنة و أنه لا يصح الاستناد إلى غير القرآن لقال :” لتحكم بين الناس به ” – أي بذلك الكتاب لا أن يذكر لفظاً أعم و يقصد منه الأخص و هو خلاف البلاغة العادية في جميع اللغات فكيف بالبلاغة القمة القرآنية ..  فلا نتمكن من طرد الروايات و طرحها تماماً و القول بأن القرآن قد أمرنا بالتمسك به فقط فإن القرآن قد أمر بالتمسك به و بقول المعصومين جميعاً  – و إن كانت أقوالهم موجودة في القرآن إلا أن كثيراً منها من باطن القرآن لا ظاهره و نحن عاجزون عن فهم باطنه لو فهمنا جميع ظواهره و هو غير متحقق بعدُ للكثيرين ..  – فقال – مضافاً إلى الآيات السابقة : ” إنما وليكم الله و رسوله و الذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة و يؤتون الزكاة و هم راكعون ” فبيّن لنا من هم الأولياء ثم أمرنا بطاعتهم في قوله جل و علا : ” أطيعوا الله و أطيعوا الرسول و أولي الأمر منكم ” فلولا أن كلامهم حجة لنا و علينا بيننا و بين ربنا ،  و بيننا و بين سائر الناس لما أمرنا بطاعتهم و لما أوكل بيان القرآن إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم – و طبعاً بعد النبي يأتي من هو كنفسه صلوات الله عليه و آله – ،  فلا يمكن رد الروايات و التاريخ من رأس ،  نعم لو كانت رواية أو قصة تاريخية منافية للقرآن و استقر لدينا التنافي و لم يكن لسوء الفهم أو قصوره عرضنا الرواية عرض الحائط كما أمرونا هم بذلك ، أو نردّ علمها إلى قائلها و هذا غير ردّ التراث و الأخبار من رأس و لو فعلنا ذلك لما بقي من الدين شيء إلا اسمه حيث أن تفاصيل الشريعة و بيان المعارف الإلهية و إن كانت موجودة في القرآن إلا أن كثيراً منها و كما أشرنا في باطن القرآن و هو غيب لنا و الذي يبين لنا كل ذلك هو النبي و أهل بيته و الروايات الواردة عنهم عليهم السلام ،  و نحن نشاهد الكثير من البيانات الواردة عنهم عليهم السلام و أنها كيف تبين لنا مقاصد الشريعة و العقائد الحقة و المعارف العميقة بحيث لولا بينهم لما كنا نفهم كثيرا منها كما لا يخفى على من يراجع الجوامع الروائية وخطب أهل البيت و أدعيتهم و زياراتهم عليهم السلام و … و هذا خلاصة الكلام في هذا المجال.. 

و أما مسألة قصة الغار و أن المسلمين لم ينصروا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلا واحداً منهم  – و يبدو من المقال أنه صاحبه في الغار  – فيبدو أن الكتاب الذي يدعي أنه فهم الآيات و تبين له أن ما هو المذكور في الروايات معارضة و منافية لما ورد في القرآن  ، نعم يبدو أنه هو لم يتبين له معنى الآية تماماً فآية الغار مدنية في سورة التوبة و هي في مقام إما عتاب المؤمنين لعدم قيامهم بالواجب تماماً أو في مقام إيجاد الدافع الباطني لهم لينصروه لأنهم لولم ينصروه فسينصره الله الذي نصره في قصة الخروج من مكة و حضوره مع صاحبه في الغار ،  فالنصرة تتحقق سواء نصروه أم لم ينصروه فعليهم أن ينصروه كي يكونوا قد أدوا واجبهم تجاهه صلى الله عليه وآله وسلم ..فقوله تعالى  :  ” إذ ” في: ” إذ أخرجه الذين كفروا..  ” ظرفية زمانية أي إن لم تنصروه فقد نصره الله فيما سبق في الوقت الذي أخرجه الذين كفروا و هو أحد الاثنين في الغار… 

    و ما قال من أن الناصر له شخص واحد و يقصد  – على ما يبدو – صاحبه في الغار فهو كلام باطل فإن العتب أو التشويق كان في المدينة و القصة متعلقة بمكة و خروجه صلى الله عليه وآله وسلم منها و في مكة كان غالبية المسلمين قد دخلوا في الاسلام بإيمان راسخ و لهذا تحملوا المشاق و المصاعب و المصائب و استشهد منهم من استشهد و هاجر جمع منهم الى الحبشة ثم الى المدينة ..  و إذا أردنا أن نقول أن الناصر واحد فقد يكون لأجل أن المسلمين عموماً كانوا قد هاجروا قبل ذلك بأمر من النبي صلى الله عليه وآله وسلم فلم يبق في مكة إلا القليل منهم ،  و ذلك الواحد هو من بات في فراشه ليفديه بنفسه لا من كان معه في الغار – أياً كان – فإن من بات هناك قد جعل نفسه في معرض الشهادة ليبقى النبي حياً سليماً و قد مدحه القرآن على ذلك.. و أما من كان معه في الغار فقد كان معه فقط و لم يكن معه لينصره حيث أنه خاف على نفسه و هو في الغار و قد أحدث الله ما يمنع الكفار من الوصول إليهما و مع ذلك خاف بحيث خاف النبي أن يلتفت الكفار لوجودهما في الغار فقال له لا تحزن إن الله معنا ،  و مع أنه كان هو الخائف تقول الآية :” فأنزل الله سكينته عليه و أيده بجنود لم تروها  .. ” و هذا يدل على أن صاحبه في الغار و إن كان مسلماً إلا أنه لم يبلغ درجة الإيمان الذي هو أعلى من الاسلام المتحقق بلفظ الشهادتين  – لا الاسلام بمعنى التسليم  – و ذلك لأن من بلغ هذه الدرجة سينزل الله عليه السكينة في مواقع الخطر المتوجه للانسان لأجل دينه كما قال تعالى : ” هو الذي أنزل السكينة في قلوب المؤمنين ليزدادوا إيمانا مع إيمانهم ” فالمؤمن تنزل عليه السكينة في هذه الحالات فإذا لم تنزل على أحد في ظروف كهذه تبين أنه لم يبلغ تلك الدرجة و إلا لاُنزلت عليه … 

    و  أما أنه قد نصره بجنود لم تروها فلا ينافي نسج العنكبوت و أن تبيض الحمام أمام الباب فالله تعالى نصره بالأسباب سواء كانت مادية من عالم المُلك كهذه أو ملكوتية كالملائكة …  فالآية مطلقة قابلة للانطباق على النصر بهذه الأمور مضافاً إلى الغيبيات و الملائكة .. 

و بارك الله فيكم و قضى حوائجكم و وفقكم لكل خير.