سؤال من أحد المؤمنين :
شيخنا الفاضل .. السلام عليكم
كلنا نعلم أن من يطيع الشيطان فقد عبده .. لكن السؤال هو هل أن الذي يؤمن بالله و رسوله و اﻷئمة اﻷطهار و ……. إلى آخر و بين الفينة و اﻷخرى تزل قدمه و يذنب بقصد أو بجهل منه تشمله اﻵية بعبادة الشيطان … موفقين لكل خير .. شكراً جزيلا
____________________________________
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
نفس طاعته عبادة له و شرك في الطاعة فإذا كان المكلف يطيع الشيطان دائماً فهو عابد له دائماً و إذا كان يطيعه أحياناً فهو عابد له في تلك الأحيان ..
____________________________________
سؤال آخر منه :
ان كان كذلك فلا أحد يسلم من الشرك ﻻ المؤمن و ﻻ الكافر و ﻻ العالم و ﻻ الجاهل … الكل فى شراك الشيطان بنحو و آخر … إذا أين سبيل النجاة ما دمنا غير معصومين فى طريق المعصية
__________________________________
نعم ، و قد قال الله تعالى : ” وما يؤمن أكثرهم بالله إلا و هم مشركون ” ، و لكن ليس هذا الشرك هو الموجب للخلود في النار بل المقتضي للخلود هو الشرك بمعنى اتخاذ إلهين اثنين أو عبادة غير الله بالخضوع و السجود له و أمثال ذلك ، و أما العصاة فهم مشركون في الطاعة فهؤلاء يُنظر إلى أعمالهم ” فمن ثقلت موازينه فأولئك هم المفلحون ” ” فأما من ثقلت موازينه فهو في عيشة راضية و أما من خفت موازينه فأمه هاوية ” ..
و الجدير بالذكر أن الشرك لا ينحصر بمسألة العصيان بل للتوحيد و الشرك مراتب متعددة و قلّ من يسلم من جميع مراتب الشرك و يكون موحداً بجميع مراتب التوحيد ، و للإشارة إلى الموضوع فقط نقول أن التوحيد قد يكون في الذات بالإعتقاد بوحدة الذات الربوبية و أنه لا ثاني له بل يمتنع وجود الثاني بل يمتنع افتراضه أيضاً ، و قد يكون في الذات بمعنى أحدية الذات و عدم تركبه بأي نحو من أنحاء التركب الخارجية و العقلية و منه يستفاد عدم تناهي الذات المتعالية و بعدم التناهي يستفاد عدم إمكان افتراض الثاني له و الذي أشرنا إليه في القسم الأول أي التوحيد بمعنى وحدة الذات المتعالية ، و قد يكون التوحيد في الصفات ” التوحيد الصفاتي ” بمعنى أن الله تعالى متصف بصفات الكمال و الصفات الذاتية عين ذاته و كل واحدة منها عين الأخرى فلا تعدد في المصداق و إنما التعدد في المفهوم فما نفهمه من العلم غير ما نفهمه من القدرة و غير ما نفهمه من الحياة و .. و لكنها في الواقع الخارجي شيء واحد – و توضيحه يحتاج إلى بيان و تفصيل لا مجال للغور فيه في هذه العجالة – ، و قد يكون التوحيد في الأفعال ” التوحيد الأفعالي ” و هو ما يُفَسَّر بقولهم : ” لا مؤثر في الوجود إلا الله “ و من جملة مغازي قوله تعالى : ” و ما رميت إذ رميت و لكن الله رمى ” هو هذا التوحيد( و بما أن إرادة العبد في طول إرادة الله تعالى لا في عرضها لم يلزم من ذلك لا الشرك و لا الجبر ، و قد أُوَفَّق لشرح ذلك مستقبلاً ) .. و قد يكون التوحيد في العبادة و هو واضح ، و قد يكون في الطاعة ، أو الخالقية أو التدبير أو التشريع أو التكوين أو …( و لا ينافي التوحيد في هذه الأقسام أن يكون هناك خالق يخلق بإذن الله أو يدبّر بإذنه تعالى أو .. كما بيّنا ذلك في بعض الأجوبة على أسئلة المؤمنين حول بعض الشبهات .. ) و من جملة أعلى مراتب التوحيد هو التوحيد في الوجود بأن لا يرى الموحد في عالم الوجود غير الله تعالى ، لا بمعنى أنه لا يوجد شيء غير الله و أن جميع الموجودات هي الله أو أجزاء له و عوذاً به بل لا يرى وجوداً مستقلاً في عالم الوجود غير الله و كل ما سواه عين التعلق و الفقر إليه و هي بجميع مراتبها ظلال وجوده و مجالي و مرائي تعكس جماله أو جلاله أو كليهما – كما أشرنا إليه في بعض الأجوبة – فيصل هذا الموحد إلى درجة لا يرى غير الله تعالى و لا التفات له إلى ما سواه إلا بعنوان المرآتية فيرى جمال الله و جلاله من خلال الخلق و لا يرى نفس المخلوق و لا ينظر إليه نظرة استقلالية كما لا يشاهد المرآة حينما ينظر فيها لمشاهدة نفسه بل المرآة مغفول عنها تماماً فيصل إلى مرتبة يكون كما قال الشاعر الفارسي : “ رسد آدم بجايي كه به جز خدا نبيند * بنگر تا چه حد است مکان آدمیت ” ( يصل الإنسان إلى مرتبة لا يرى فيها غير الله ، فانظر و تأمل في حدود منزلة الإنسان و مكانته العظيمة ) و يقول شاعرهم الآخر : ” مردان خدا پرده پندار دریدند * یعنی همه جا غير خدا هیچ ندیدند ” ( إن رجال الله قد خرقوا حجاب الظنون و الأوهام بمعنى أنهم لا يرون في عالم الوجود غير الله) و …. فهذه مراتب للتوحيد و لكل مرتبة منها درجات كثيرة و ليس كل من في عالم الوجود من الناس و غيرهم قد وصلوا إلى جميع تلك المراتب بل نجد أن كل من وصل إلى مرتبة من مراتب التوحيد مبتلى بخلل في مرتبة أخرى إلا المعصومين و الكُمّل من خلق الله تعالى و لهذا و غيره يقول تعالى : ” و ما يؤمن أكثرهم بالله إلا و هم مشركون ” و لا ينحصر مصداق الآية بالرياء المُعَبَّرِ عنه بالشرك الخفي كما يفسره الخطباء عادة و هو تفسير صحيح في حد ذاته و لكنه ليس المصداق الوحيد للشرك فمن يوحد الله سبحانه في ذاته بمعنى وحدة الذات و لكنه لا يوحده في أحدية الذات فهو مشرك في هذه المرتبة و إن كان موحداً في المرتبة السابقة ، و من يوحده في المرتبتين و لكنه لا يقول بالتوحيد الصفاتي فيقول بمغايرة الصفات للذات المتعالية و مغايرة كل صفة للأخرى في المصداق الخارجي و في النتيجة يرى تعدد القدماء فهو موحد في التوحيد بمعنى وحدة الذات و أحديتها و لكنه مشرك في التوحيد الصفاتي و هكذا بالنسبة للتوحيد الأفعالي و … إلا أن الذي يوجب الخروج من الدين و استحقاق العذاب هو الشرك في الذات المتعالية بمعنى القول بتعدد الآلهة و الشرك في العبادة بعبادة الأوثان و شرك الطاعة إذا كان هو المسيطر على المكلف بأن يكون مطيعاً للشيطان و الأهواء و غير مطيع لله تعالى و أمثال ذلك مما هو مفهوم لعامة الناس ، و أما المبتلى بالعصيان أحياناً فليس من المشركين بمعناه الخاص الموجب للخروج عن الدين المقتضي لأبدية العذاب و الخلود في النار بل باب التوبة مفتوح لمرتكب المعصية كما أنه يمكن أن تدركه الشفاعة أو أنه في النهاية يعذَّب في الدنيا بمصائب في جسمه أو ماله أو ولده أو .. أو في البرزخ أو في القيامة أيضاً ثم ينجو من العذاب و هذا يتطلب أبحاثاً مستقلة حول الطاعة و المعصية و التوبة و الشفاعة و العذاب الإلهي و موجباته و ما يوجب الخلود فيه و ..
كما أن المطالب التوحيدية أيضاً تحتاج إلى أبحاث موسعة و ما ذكرناه إنما هي إشارات سريعة لبعض تلك المطالب …
وفقنا الله و إياكم لمعرفة الدين و نشره بحق محمد و آله الطاهرين صلوات الله عليهم أجمعين