بسم الله الرحمن الرحيم
وردتني شبهات حول بعض معتقدات أتباع أهل البيت عليهم السلام و من جملتها أن الدعاء هو العبادة و هو ارتباط روحي و قلبي سواء كان بلسان القال أو الحال فالدعاء وسيلة ارتباط بين المخلوق و الخالق ، و العبادة موجودة في القلب دائماً فالعبد ( و طبعاً هذه عبارات صاحب الشبهة و فيها أخطاء و تناقضات و خلط بين كثير من الامور كما أنه يدّعي أموراً و يستشهد بآيات لا صلة لها بمُدّعاه ، و نحن لا نريد التطرق إلى ذلك و إنما المقصود الإجابة على أصل الشبهة التي لطالما يكررها هو و من يقتدي بهم ) لا ينظر إلا مولاه فهو دائم الذكر و التهليل و التكبير و دائم التوكل و التوبة و هو دائماً في حال طلب المدد من معبوده و لأجل ذلك خلقنا : ” قال تعالى تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَن فِيهِنَّ وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَٰكِن لَّا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا “
و الدعاء قسمان قسم تعظيم و قسم دعاء و طلب .. و مصاديق الدعاء هي : تعظيم ـ تكبير ـ حمد ـ شكر ـ ثناء ـ مدح ـ خضوع ـ خشوع ـ تذلل ـ ركوع ـ سجود ـ توكل ـ استغاثة ـ استعانة ـ استغفار ـ طلب الحوائج ـ الحج و فيه الطواف و السعي و ..
فإذا طاف أحد حول قبر أحد الأنبياء أو الصلحاء تعظيماً لصاحب القبر، كان مشركاً لأن ذلك فعل تعظيمي لا يجوز صرفه لغير الله ، و لكنه لا يخرجه عن الملة و لكن لو اعتقد أن صاحب القبر وسيلة الى الله والله قدأعطاه بعض صفات ألوهيته كالقدرة في تدبير شؤون البشر و قضاء الحوائج و .. فهذا هو الشرك الأكبر ..
و إذا قلت أن اعتقاد استقلالية هؤلاء يوجب الشرك أقول أن مشركي مكة لم يكونوا يعتقدون استقلالية الأصنام عن الله بل كانوا يعتقدون أنها شفعاء و وسيلة الى الله و إلا لكان هذا الشرك أكبر فإن الشرك الأكبر كالأصغر درجات ..
هذا ما أورده المستشكل ـ و بأحرى ناقل الإشكال ـ ثم طلب مني أن لا أرد حتى يكمل ما عنده لأنه قد تعب من الكتابة ..
و بعد استراحة كتب لي ما خلاصته :
العلماء يقسمون الشرك إلى ثلاثة أقسام : 1 ـ شرك الذات و هو جعل شريك لله في ذاته فتكون ذاته كذاته تعالى . 2 ـ شرك الصفات أن أن تشرك بالله في صفة أو إسم و لو كان جزئياً . 3 ـ شرك العبادة و هو الدعاء لأن الدعاء عبادة و زيادة تعظيم لا سيما أن مشركي مكة كانوا يعتقدون أن الأصنام هي دون الله و الوسيلة والشفيع إليه كما قال تعالى : ” و لم يكن لهم من شركائهم شفعاء …. أم اتخذوا من دون الله شفعاء .. ” و ” دون ” كما في اللغة نقيض الفوق و هو تقصير عن الغاية و يكون ظرفاً و الدون الحقير الخسيس .. فإذا تدعون من دون الله أي من هو دونه و تحته و سواه ، و الشفاعة في العبادة شرك و في القيامة حق و قد قال تعالى : ” .. الذين آمنوا و لم يلبسوا إيمانهم بظلم .. ” و الظلم هو الشرك عند أكثر مفسري االسنة على ما أتذكر و هذا يعني أنه يمكن اجتماع الإيمان مع الشرك فهو يوحد الله و يؤمن بأنه الخالق و لكنه يشرك معه من دونه في أسمائه و صفاته و عبادته و دعائه .. قال تعالى : ” مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُؤْتِيَهُ اللَّهُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَ النُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُوا عِبَادًا لِي مِنْ دُونِ اللَّهِ وَ لَكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَ بِمَا كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ ” ” وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُم بِاللَّهِ إِلَّا وَهُم مُّشْرِكُونَ ” .. فالله مالك كل شيء و بالنتيجة المستحق لكل شيء : ” ألا لله الدين الخالص ” فقلب المؤمن لا يتسع إلا لمحبوب واحد .. و لم يدع محمد قط لنفسه بل كان ينهى عن إطرائه كإطراء النصارى للمسيح و يطري يعني يغالي قي المدح و الثناء ..
ثم تطرق ناقل الإشكالات إلى أن رواة الشيعة من أهل الكوفة و أن أهل الكوفة أهل الغدر و هم الذين قتلوا علياً و غدروا بالحسن و قتلوا الحسين و قد ورد في روايات الشيعة لعنهم و ذم زراة بن أعين و .. ثم عرج إلى مسألة الخلافة و أن خلافة الخلفاء شرعية و ..
هذا خلاصة ما ذكره من الإشكالات و الشبهات التي يذكرها القوم …
و أما الجواب :
فأرجّح البدء بما انتهى به و إليه المستشكل ـ و قد كان جوابي له في هذا الشق من كلامه مختصراً و لكن سأفصل في هذا المكتوب شيئاً ما تعميماً للفائدة ـ فأقول مستعيناً بالرب الكريم :
أما فيما يتعلق بمسألة الخلافة فقد أجبنا عنه فيما سبق في الجواب عن بعض الشبهات و يمكنكم مراجعة ما كتبناه في إثبات الوصية لأمير المؤمنين عليه السلام ففيه ـ مع اختصاره ـ الجواب الوافي بالمطلوب ..
كما أننا قد أجبنا على ما يدعيه في أهل الكوفة و أصحاب الأئمة عليهم السلام و قد أرسلت له الجواب إلا أن الظاهر أنه لم يقرأه و لهذا كرر شبهته مرة أخرى ، و الجواب باختصار هو أن من ورد فيهم الذم من أهل الكوفة أو القاطنين فيها آنذاك لم يكونوا ـ أو لم يكن غالبيتهم ـ من الشيعة بل كان الكثير منهم يعتقدون أن أمير المؤمنين عليه السلام هو الخليفة الرابع لرسول الله صلى الله عليه و آله و سلم بينما تعتقد الشيعة أنه الخليفة الأول و الخليفة بالحق لرسول الله صلى الله عليه و آله و سلم كما أنهم يرون عصمته عليه السلام فلا يمكن تخطئته بالإستناد إلى سنة أو سيرة غيره صلوات الله عليه كما فعله هؤلاء ، و الشاهد على ذلك ـ أي على عدم كونهم من الشيعة بل كانوا يرون أن علياً هو الخليفة الرابع ـ أنه لما نهى أمير المؤمنين عليه السلام عن صلاة التروايح بدليل أن إقامة النافلة جماعةً بدعةٌ ، صاح الناس : ” واسنة عمراه ” فأي تشيع هذا ؟! أيُعقل أن يعتقد أحد إمامة أمير المؤمنين عليه السلام بالمنظور الشيعي فيعتقد بعصمته عليه آلاف التحية و الثناء و أنه الخليفة الحق و أن غيره لم يكن منصوباً للخلافة من قبل الله تعالى و بنص من رسول الله صلى الله عليه و آله فلا يحق له تولّيها ، و مع ذلك يعترض على أمير المؤمنين فيما يراه بدعةً ، و يُقدّم رأي غيره على رأيه عليه السلام ؟…
و لا داعي للغور في أمثال هذه الأمور أكثر من هذا القدر فإنه واضح ، و لكن تجدر الإشارة إلى مسألة قتلة الحسين عليه السلام ـ و سأشير إلى ما ذكره غير هذا الشخص أيضاً ، حيث استدل بعضهم لإثبات مدعاه بأن أهل الكوفة هم قتلة الحسين ثم يقول أن أهل الكوفة هم من الشيعة فأقول مستعينا بالله العظيم :
يمكن الإجابة على هذا المدعى ـ أي كون قتلة الإمام الحسين عليه السلام من الشيعة ـ من جهات مختلفة فنقول : ما هو الهدف من دعواكم هذه ؟ هل تريدون إبطال المذهب الشيعي الإثني عشري أم أن المقصود مجرد إثبات كون قتلة الحسين عليه السلام من الشيعة ؟
إن كان المقصود هو الأول فاللازم هو الذهاب مباشرة إلى معتقدات الشيعة و تفنيدها و إقامة البراهين على كون معتقدات المذهب الآخر هي الحق لا الحديث عمن قتل الحسين عليه السلام فإن ذلك لا يُثبِت مدّعاكم فلو افترضنا أن قتلة عثمان كانوا من أهل السنة فهل يمكنكم الإلتزام بأن مذهب أهل السنة باطل لأن أتباعه قد قتلوا خليفتهم ؟! و إذا ارتقينا شيئاً ما و قلنا أنه إذا قام بعض المسلمين من جميع الطوائف الإسلامية بارتكاب بعض الأعمال الشنيعة من القتل و النهب و شرب الخمر و .. فهل يحق لأحد أن يدعي كون الإسلام ديناً خرافياً و ليس من الاديان السماوية لأجل أن بعض أتباعه قد ارتكبوا تلك الشنائع؟! و هل يمكن تعميم ذلك لجميع أتباع الدين الحنيف ؟!
مشكلتكم أنتم هي أنكم تريدون إبطال المذهب الشيعي ـ و طبعاً التعبير بالمذهب من باب المجاراة مع الطرف الآخر و تماشياً مع الاصطلاح الرائج من إطلاق المذهب على ما جاء به الأئمة المعصومون عليهم السلام و إلا و كما أشرنا إلى ذلك في بعض أجوبتنا فالحق أن نقول أن الدين الذي جاء به رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم هو ما يبينه لنا الأئمة عليهم السلام لا أن ما يبينونه هو ما يذهبون إليه و لتوضيح ذلك مجال آخر ، و على أية حال مشكلتكم هي أنكم تريدون إبطال المذهب الشيعي ـ بإثبات ارتكاب قتل الإمام الحسين عليه السلام من قِبَل بعض من تدعون أنهم من الشيعة فلو افترضنا أن كلامكم صحيح ـ و ليس بصحيح كما سيأتي ـ فهل الإشكال على الشيعي إشكال على نفس المذهب الذي ينتمي إليه ؟! و هل هو إشكال على جميع من ينتمي إلى هذا المذهب ؟!
فلو قلتم نعم لقلنا إذن يلزم القول بأن الإشكال على السني إشكال على مذهبه و على كل من يقول أنه من أهل السنة ، بل الإشكال على المسلم إشكال على دينه و هو الإسلام و على كل مسلم ، مع أنه لا يمكنكم التفوّه بذلك فإن كثيراً من المسلمين ـ و كذا أتباع سائر الأديان ـ قد ارتكبوا طوال التاريخ و يرتكبون ما لا يرتضيه لهم دينهم من القتل و النهب و شرب الخمر و ارتكاب الفواحش و .. و لا يقول أحد و لا يتمكن أن يقول أن ذلك دليل خرافية هذا الدين و بطلانه .
هذا كله إذا كان مقصودكم الإشكال على أصل المذهب بادعاء ارتكاب أتباعه لذلك الفعل الشنيع و إقدامهم على قتل سبط النبي الأكرم صلى الله عليه و آله ، و أما إذا كان المقصود مجرد إثبات أن الشيعة هم قتلة الحسين عليه السلام فنقول أنه لو ثبت أنهم كانوا من الشيعة لم نتمكن من القول ببقائهم على التشيع مع ارتكاب هذا الفعل الشنيع فإنه لا يجتمع التشيع مع ارتكاب قتل من هو إمام معصوم عند الشيعة كما سنشير إليه ، فإقدامهم على ذلك يدل على خروجهم من هذا المذهب و إقدام الخارج من المذهب على فعلٍ ما ليس إقداماً من أتباع ذلك المذهب على ذلك الفعل كما لو تشيّع أحد أتباع معاوية فأقدم على قتله فهل يتفوه أحد بأن قاتل معاوية من أتباعه ، نعم قد كان من أتباعه قبل ذلك و أما حين تلبّسه بالقتل فلم يكن من أتباعه ، و قتلة الحسين عليه السلام أيضاً لو افترضنا أنهم كانوا قبل ذلك من الشيعة فبعد نكثهم البيعة و حين تلبسهم بقتال و قتل الحسين عليه السلام لم يكونوا من الشيعة ، و لكن الشأن كل الشأن هو إثبات كون قتلته عليه آلاف التحية و السلام من الشيعة و هذا ما لا يمكن إثباته بل الثابت هو عكس ذلك ، و بيان ذلك :
إن قتلة الحسين صلوات الله عليه و كما قلنا لم يكونوا من شيعة أمير المؤمنين و الحسنين عليهم السلام ، كيف و قد خاطبهم الإمام الحسين عليه السلام بشيعة آل أبي سفيان في خطابه المشهور لأهل الكوفة في يوم عاشوراء : ” يا شيعة آل أبي سفيان إن لم يكن لكم دين و كنتم لا تخافون المعاد فكونوا أحراراً في دنياكم ” و في المقابل ورد أنه خاطب شيعته بأن يذكروه عند شرب الماء و ذلك عندما أغمي على ابنته سكينة على جسده الطاهر فقد نقل السيد بن طاووس في كتاب جنة الأمان الواقية و جنة الإيمان الباقية ص 741 أنه : قالت سكينة لما قتل الحسين عليه السلام اعتنقته فأغمي عليّ فسمعتُه يقول : ” شيعتي ما إن شربتم ريّ عذب فاذكروني * أو سمعتم بغريب أو شهيد فاندبوني ” .. فهل يمكن القول بأنه عليه السلام خاطب قاتليه بأن يذكروه و يندبوه ؟ ! ما لكم كيف تحكمون و أنّى تُؤفكون ؟! ..
أضف إلى ذلك أن شمر بن ذي الجوشن قاتل الحسين عليه السلام كان يفتخر بقتله صلوات الله عليه لأنه امتثل أمر الولاة و أنه لو لم يكن يفعل ذلك لكان شراً من الحمير السقاءات و في تاريخ مدينة دمشق لابن عساكر ج 23 ص 189 : ” .. الهيثم بن الخطاب الهدي أنه سمع أبا إسحاق السبيعي يقول كان شمر بن ذي الجوشن يقول الضبابي لا يكاد أو لا يحضر الصلاة فيجئ بعد الصلاة فيصلي ثم يقول اللهم اغفر لي فإني كريم لم تلدني اللئام ، قال فقلت له : إنك لسئ الرأي تسارع إلى قتل ابن بنت رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فقال دعنا منك يا أبا إسحاق فلو كنا كما تقول وأصحابك كنا شرا من الحمراء السقات ” فأي تشيع هذا ؟!
و من جانب آخر لو كان صاحب الشبهة يدقق في لفظ الشيعة لما تفوه بما تفوه به حيث أن التشيع يعني التبعية و الشيعي يعني التابع ، فكيف يمكن أن يكون الشيعةُ أتباعَ أهل البيت و مقتدين بهم و مع ذلك يُقْدِموا على قتلهم عليهم السلام ؟ و كيف يمكن أن يكون شخص ما تابعاً للأئمة عليهم السلام و مع ذلك يلعنه الإمام عليه السلام أو يذمه ؟ أفيُعقل أن يلعن المعصوم أتباعه الذين يتبعونه في عقائدهم و أخلاقهم و أعمالهم و ياخذون معارف دينهم منهم ؟ و إذا كان التابع للإمام ملعوناً مذموماً على لسانه عليه السلام فماذا سيقول الإمام عمن لا يكون من أتباعه و لا يعتقد بإمامته و لا عصمته ؟ و هل يسلم أحد بعد هذا من اللعن و الذم ؟!!! فيبدو أن صاحب الشبهة لا يبحث عن الحق بل هدفه إلصاق كل شين بالشيعة بغضاً لهم أو لأئمتهم عليهم السلام و إلا لما تفوه بما تفوه به كما أنه لو كان قد راجع الروايات التي تمدح الشيعة أيضاً ما كان ليتفوه بذلك ، و لكي نسهل عليكم الامر و نختصر لكم الطريق ننقل بعض الروايات التي تمدحهم و نشير إلى بعضها الآخر فنقول :
روى أحمد بن محمد بن خالد البرقي في كتاب المحاسن ج1 ص 163 الحديث 115 عن زيد بن أرقم ، عن الحسين بن علي عليهما السلام قال : ما من شيعتنا إلا صديق شهيد ، قال : قلت : جعلت فداك أنى يكون ذلك و عامتهم يموتون على فراشهم ؟ – فقال : أما تتلو كتاب الله في الحديد ” والذين آمنوا بالله ورسله أولئك هم الصديقون والشهداء عند ربهم . ” قال : فقلت : كأني لم أقرأ هذه الآية من كتاب الله عز وجل قط ، قال : لو كان الشهداء ليس إلا كما تقول لكان الشهداء قليلا .
و في الحديث 116 يقول الإمام الصادق عليه السلام مخاطباً أبا محمد المعروف بأبي بصير : يا أبا محمد إن الميت منكم على هذا الامر شهيد ، قلت : وإن مات على فراشه ؟ – قال : أي و الله ، و ان مات على فراشه ، حي عند ربه يرزق . و في الحديث التالي عنه عليه السلام أنه قال : .. والله ما الشهداء الا شيعتنا و إن ماتوا على فراشهم .
و في الحديث 139 عن أبي جعفر عليه السلام في قول الله عز وجل ” كل نفس بما كسبت رهينة إلا أصحاب اليمين ” قال : هم شيعتنا أهل البيت . و عنه عليه السلام في قول الله تعالى ” الذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك هم خير البرية ” قال : هم شيعتنا أهل البيت .
وفي الحديث 175 قال أبو جعفر عليه السلام : قال رسول الله صلى الله عليه وآله : إن عن يمين العرش قوما وجوههم من نور على منابر من نور يغبطهم النبيون ليسوا بأنبياء ولا شهداء ، فقالوا : يا نبي الله وما ازدادوا هؤلاء من الله إذا لم يكونوا أنبياء و لا شهداء إلا قربا من الله ؟ – قال : أولئك شيعة عليٍ وعليٌ إمامهم .
و في الحديث 177 عن أبي حمزة ، قال : قال أبو – عبد الله عليه السلام : شيعتنا أقرب الخلق من عرش الله يوم القيامة بعدنا . و عن أبي حمزة ، قال : قال أبو عبد الله عليه السلام : شيعتنا أقرب الخلق من عرش الله يوم القيامة بعدنا .
و عشرات الأحاديث لا سيما أحاديث الطينة وأحاديث كون أرواح الشيعة مخلوقة من عليين و أنهم جوهر ولد آدم بعد النبي و الأئمة صلوات الله عليهم أجمعين و…
و لا يختص نقل ذلك بالشيعة أنفسهم بل قد روى نظير ذلك أهل السنة أيضاً ففي المعجم الكبير للطبراني ج 1 ص 319 الحديث 948 : وبإسناد ه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعلي : ” أنت وشيعتك تردون علي الحوض رِواءً مرويين مبيضة وجوهكم وإن عدوك يردون علي ظماء مقبَّحين ” و في كتاب نظم درر السمطين للزرندي الحنفي ص 92 : وعن ابن عباس ( رض ) قال : لما نزلت هذه الآية : ان الذين امنوا وعملوا الصالحات أولئك هم خير البرية قال : ” لعلي هو أنت وشيعتك تأتي يوم القيامة أنت وشيعتك راضين مرضيين ويأتي عدوك غضاباً مقحمين ” و ..
فأين المستشكل من هذه الروايات و أمثالها ؟ و لماذا ترك هذه الروايات الصريحة في مدح و بيان مقامات و فضائل الشيعة و أخذ بما لا تصريح فيه على ذمهم و طبقّه عليهم زوراً و افتراءً على الأئمة عليهم السلام ..
هذا و قد وردني ملف صوتي تصويري ـ فيديو ـ يتحدث فيه أحدهم و يذكر الدعوى السابقة التي أجبنا عليها ثم يضيف : ” نحن أيضاً نقول بجواز لعن قتلة الحسين و لكن المهم أن نلعن القتلة لا غيرهم و يزيد لم يكن قاتله و لهذا لا يحق لنا أن نلعنه “
أقول : إن هذا الكلام مما تضحك عليه الثكلى و يبدو أن المتحدث غفل بل تغافل عن أن يزيد و بعد موت أبيه معاوية بعث إلى والي المدينة من يأمره بأخذ البيعة من الناس لا سيما الإمام الحسين عليه السلام و أمره بأنه إن لم يبايع فاضرب عنقه ففي مثير الأحزان لابن نما الحلي ص 13 ـ و كذا غيره من مصادر التاريخ و السيرة ـ : ” فلما مات معاوية بن أبي سفيان .. في النصف من رجب سنة ستين من الهجرة واستخلف ولده يزيد .. فبايع الناس على بيعة عامله بالمدينة وهو الوليد بن عتبة بن أبي سفيان واتاه بموته مولى معاوية يقال له ابن أبي زريق وكتب يزيد إلى الوليد يأمره بأخذ البيعة على أهلها وخاصة على الحسين ويقول إن امتنع عليك فاضرب عنقه وابعث برأسه إلي .. ”
فيزيد بن معاوية كان قد نوى و قرر أن يقتل الحسين عليه السلام لولم يبايعه و من المعلوم أن الإمام عليه السلام لم يكن ليبايع مثل يزيد كما صرح هو عليه السلام بذلك بعد ما أحضره الوليد ابن عتبة مع عبد الله بن عمر و عبد الله بن الزبير و عبد الله بن مطيع و عبد الرحمن بن أبي بكر ليطلب منهم البيعة فلما اعتذر الإمام الحسين عليه السلام عن البيعة في ظلمة الليل وراء الأبواب المغلقة أشار إليه مروان بأن يقطع عنقه ، يقول الراوي : ” .. وانا انظر إلى مروان وقد أسرّ إلى الوليد أن اضرب رقابهم ، ثم قال جهراً : لا تقبل عذرهم و اضرب رقابهم فغضب الحسين و قال : ويلي عليك يا بن الزرقاء أنت تأمر بضرب عنقي كذبت و لؤمت ، نحن أهل بيت النبوة و معدن الرسالة ويزيد فاسق شارب الخمر و قاتل النفس و مثلي لا يبايع لمثله و لكن نصبح و تصبحون وننظر و تنظرون أيّنا أحق بالخلافة و البيعة .. ”
فواضح أن يزيد كان قد اتخذ قرار قتل الحسين عليه السلام بل و أمر بقتله و قطع رقبته صلوات الله عليه لولا البيعة و الحسين عليه السلام قد أعلنها جهاراً ليلاً و نهاراً أنه لا يبايع يزيد المتجاهر بالفسق و معنى ذلك فِعليّة القرار و الأمر بقتله عليه السلام من قِبَل يزيد ..
أضف إلى ذلك أنه لو لم يكن هو من أمر بقتل الحسين عليه السلام فلماذا اُرسِل رأسه الشريف إليه في الشام ؟ و لماذا أسروا أهل البيت و بنات رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم و أرسلوهم إلى يزيد ؟ و لماذا زيّنوا المدن الواقعة على طريقهم إلى الشام و التي كانت تحت سيطرة و إمرة يزيد ؟ و لماذا أخذ ينكت بعصاه ثغره الشريف كما في بعض المصادر و منها أنساب الاشراف للبلاذري ج 3 ص 214 : حيث يقول ” وجعل يزيد ينكت بالقضيب ثغر الحسين حين وضع رأسه بين يديه !!! فقال أبو برزة الأسلمي أتنكت ثغر الحسين ؟ لقد أخذ قضيبك من ثغره مأخذا !!! ربما رأيت رسول الله صلى الله عليه و سلم يرشفه ، أما انك يا يزيد تجيء يوم القيامة وشفيعك ابن زياد ، ويجيء الحسين و شفيعه محمد . ثم قام ـ و خرج من مجلس يزيد ـ . و يقال : ان هذا القائل رجل من الأنصار . ” و غير ذلك من الأدلة القطعية و الشواهد الواضحة …
قصة ذم زرارة في بعض الروايات :
و أما قضية زرارة فلا أدري لماذا لا تنقلون الرواية التي تفسر ما ورد من الذم بحقه رضوان الله تعالى عليه ؟ ألستم تبحثون عن الحق ؟ ألا تريدون هدايتنا إلى الحق ؟ فهل يمكن هداية الغير بالتدليس ؟ أفليس المبتني على التدليس تدليساً و ليس هدايةً ؟! ألا تعلمون أنه لا يمكن هداية الناس بالكذب و الإفتراء و التدليس ؟!
و أتذكر أنه كانت لي مناظرة مع أحدهم فكان ينقل عن كتاب البيان للسيد الخوئي أنه يقول بالتحريف بينما نجد أن السيد الخوئي ينقل قول بعض من يقول بالتحريف ثم يفنده و لكنهم لا ينقلون ذلك التفنيد لأجل التدليس على العوام – و لا يختص الأمر بالسيد الخوئي بل كان بعضهم ينسب إلى غيره من علمائنا أيضاً ما لا يقولون به ..
هذا مضافاً إلى أنه إذا صدر من بعض الشيعة عمل غير صحيح لا يدل ذلك على بطلان المذهب ـ كما سبقت الإشارة إليه ـ فالمذهب مبتنٍ على أصول و قواعد محكمة و متفنة بأدلة شرعية و عقلية لا يمكن لأحد أن يفندها و لهذا نجد هؤلاء يذهبون للفروع و يبحثون في الكتب كي يجدوا ما يُخَيَّلُ إليهم أنه يوهن المذهب ..
و على أية حال ؛ لكي يتبين الأمر لأعزتي القُرّاء أنقل لهم الحديث الذي يبين فيه الإمام الصادق عليه السلام سببَ ذمه لزرارة ففي الوسائل طبعة الإسلامية ج 20 ص 196 الحديث 489 : عن عبد الله بن زرارة ، قال : قال لي أبو عبد الله عليه السلام : اقرأ على والدك السلام و قل له : إنما أعيبك دفاعا مني عنك ، فان الناس و العدو يسارعون إلى كل من قرّبناه و حمدنا مكانه ، لادخال الأذى فيمن نحبه و نقربه ، فيذمونه لمحبتنا له و قربه و دنوه منا ، و يرون إدخال الأذى عليه و قتله ، و يحمدون كل من عبناه نحن وأن ( لم ) يحمد أمره ، . فإنما أعيبك لأنك رجل اشتهرت بنا وبميلك إلينا ، وأنت في ذلك مذموم عند الناس ، غير محمود الأثر ، لمودتك لنا ، و بميلك إلينا ، فأحببت أن أعيبك ليحمدوا أمرك في الدين بعيبك ونقصك ، ويكون بذلك منا دفع شرهم عنك ، يقول الله عز و جل : ” وأما السفينة فكانت لمساكين يعملون في البحر فأردت أن أعيبها وكان وراءهم ملك يأخذ كل سفينة غصبا ” هذا التنزيل من عند الله ، لا ولله ما عابها إلا لكي تسلم من الملك و لا تعطب على يديه ، و لقد كانت صالحة ليس للعيب فيها مساغ ، و الحمد لله فافهم المثل يرحمك الله ، فإنك والله أحب الناس إليّ ، و أحب أصحاب أبي إليّ حياً و ميتاً فإنك أفضل سفن ذلك البحر القمقام الزاخر ، وإن من ورائك ملكا ظلوما غصوبا يرغب عبور كل سفينة صالحة ترد من بحر الهدي ليأخذها غصبا ، فيغصبها و أهلها فرحمة الله عليك حيا ، ورحمته ورضوانه عليك ميتا ، الحديث .
قال الحر العاملي صاحب الوسائل رضوان الله عليه بعد نقل الرواية : ” و روى الكليني في أول الروضة بعدة أسانيد ، عن الصادق عليه السلام في حديث طويل نحوه ” .
و الظاهر أن الحديث واضح الدلالة و لا يحتاج إلى تفسير و لا تأويل و إنما يحتاج إلى شيء من الإنصاف و الإستقامة على الحق و التغلب على أهواء النفس الأمارة بالسوء و السيطرة على التعصبات المذهبية …
الجواب عن شبهة الشرك :
و أما فيما يتعلق بما طرحه عن التوحيد و مراتبه و أقسامه فأقول :
لا يمكن الوصول إلى الحق بإقامة الحروب النفسية بتكثير المطالب كي يُخَیَّل إلى القارئ صحة ما يُدّعى ضد الشيعة الذين لطالما حوربوا من قِبَل بني أمية و شيعتهم الذين شتموا و سبوا علياً عليه السلام على آلاف المنابر في آلاف القرى و البلاد من زمن معاوية إلى زمن عمر بن عبد العزيز الذي أمر بالتوقف عن سب أمير المؤمنين عليه السلام … و لكن ليكن معلوماً لكم أن جميع ما ذكرته إما باطل و افتراء أو ناتج عن جهل بمفاهيم الدين أو تدليس ، و لم أكن أتصور أن تبلغ ـ و الخطاب موجه إلى ناقل الشبهات المذكورة و الذي نرى علائم قبولها بادية عليه ـ إلى هذه الدرجة بأن تكرر ما يقوله هؤلاء من دون تحقيق و بحث تام ، و قد كان من الأولى أن تبحث في مصادر المذهب الحق أولاً ثم ترجع إلى كتب هؤلاء و مقالاتهم الخالية عن التحقيق و البحث العلمي و الموضوعية و المنهجية العلمية …
و كيف يمكن الوصول إلى الحق بمراجعة من لا يتورع عن الكذب و الإفتراء و قد كان ذلك ديدن بني أمية من الصدر الأول حيث كان علماء بلاط معاوية يختلقون أحاديث لإثبات أن بعض الآيات النازلة بشأن المنافقين و أعداء الله تعالى ناظرة إلى علي عليه السلام و نازلة فيه صلوات الله عليه و عوذاً بالله و بذلك تمكنوا من سبه و لعنه على المنابر إلا أنه عليه السلام من مصاديق النور الإلهي الذي لا يمكن إطفاؤه بذلك كما قال ابن أبي الحديد المعتزلي في مقدمة شرحه على النهج الشريف ج 1ص 16 ـ 17 : ” و ما أقول في رجل أقر له أعداؤه وخصومه بالفضل ، ولم يمكنهم جحد مناقبه ، و لا كتمان فضائله ، فقد علمت أنه استولى بنو أمية على سلطان الاسلام في شرق الأرض وغربها ، واجتهدوا بكل حيله في إطفاء نوره ، و التحريض عليه ، ووضع المعايب والمثالب له ، و لعنوه على جميع المنابر ، و توعدوا مادحيه ، بل حبسوهم وقتلوهم ، ومنعوا من رواية حديث يتضمن له فضيلة ، أو يرفع له ذكرا ، حتى حظروا أن يسمى أحد باسمه ، فما زاده ذلك إلا رفعة و سموا ، وكان كالمسك كلما ستر انتشر عرفه ، وكلما كتم تضوع نشره ، و كالشمس لا تستر بالراح ، وكضوء النهار ان حجبت عنه عين واحدة ، أدركته عيون كثيره ! ” ..
* في البداية لم أكن ناوياً على الجواب لأنني رأيت المكتوب مليئاً بالإفتراء و الأخطاء العلمية و .. و لكن بعد التأمل رأيت أن عدم الرد يوهم لكم ـ و الخطاب لناقل الشبهات ـ و لغيركم أن كلامكم حق و أننا نفتقد الجواب على ما قلتم – أي ما يقوله هؤلاء و تنقله عنهم – فاستقر الرأي على رد مختصر لإتمام الحجة و براءة الذمة يوم القيامة فالله تعالى يعلم أنني أحبك من قلبي فلا أتمكن من مشاهدة تورطك بما لا يُحْمَد عقباه .. فأقول متسعيناً بالله جل و علا و متوكلاً عليه تعالى :
* لا يمكن الخلط بين جميع المفاهيم و تسمية جميعها بالشرك فأين العبادة و السجود و الركوع و أمثالها من المفاهيم التي تعد عبادةً و أين الإستعانة و الإستغاثة و التعظيم و الحمد و الثناء و …
فالعبادة و السجود و الركوع و .. مختصة بالله تعالى و لا يحق لأحد أن يعبد غير الله تعالى أو يسجد و يركع لغيره جل و علا بل الركوع مختص بالله تعالى و بحالة الصلاة فلا يصح الركوع حتى لله تعالى في غير الصلاة لأن العبادات توقيفية و لم يرد الركوع لله تعالى في غير الصلاة …
و أما الإستعانة فليست عبادة و لكن يلزم الإستعانة بالله تعالى وحده إذا نظرنا إلى المستعان نظرة استقلالية فلا يتمكن أحد من إعانة الغير بالذات و الإستقلال إلا الله تعالى و لهذا نحصر الإستعانة فيه تعالى في سورة الحمد بتقديم الضمير المنفصل المنصوب على الفعل فنقول : ” إياك نستعين ” كما نحصر العبادة أيضاً و نقول : ” إياك نعبد ” ..
و لكن لا ينفي ذلك تمكّن الغير من الإعانة بإذن الله تعالى فيكون عونه لنا بقدرة ممنوحة له من الله تعالى و أساساً لا يمكن صدور شيء في الكون إلا بإذنه و تمكينه تعالى فلا مؤثر في الوجود إلا الله – حسب التوحيد الأفعالي الذي لا يدرك مغزاه هؤلاء لبعدهم عن الأبحاث العقلية و لا سيما التوحيدية منها – فالله هو الفعال لما يشاء فهو الفاعل المباشر أو بالواسطة التي من جملة معانيها أو مصاديقها الإذن و تمكين الغير من الفعل و هذا جارٍ في جميع أمور و شؤون الكون من عالم المجردات و الملائكة إلى أدنى مراتب الوجود في عالم الإمكان فالله هو من يتوفى الأنفس حين موتها و مع ذلك يُنسب التوفي إلى غيه تعالى كما في قوله تعالى : ” قل يتوفاكم ملك الموت الذي وُکِّل بكم ” و قوله عز من قائل : ” الذين تتوفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم … ” و : ” الذين تتوفاهم الملائكة طيبين .. ” فالله هو المتوفي الحقيقي و المستقل و بالذات و أما الملائكة فهم وسائط في قبض الروح ، و نفس الكلام جارٍ في إنزال القرآن الكريم ففي موضع يقول تعالى : ” إنا أنزلناه في ليلة القدر ” و لهذه الآية نظائر متعددة و مع ذلك يقول في آية أخرى ” نزل به الروح الأمين ” و قس على ذلك سائر الأمور و شؤون العالَم من التكوين و التشريع ، و الإعانة أيضاً غير شاذة عن هذه القاعدة فالقادر على الإعانة بالذات و مستقلاً هو الله تعالى و أما غيره فإن تمكّن من الإعانة فإنما يتمكن منها بإذنه تعالى أي بتمكين الله جل و علا له على ذلك ، و لهذا يأمرنا الله جل جلاله بالإستعانة بالصبر و الصلاة و نعلم أن الصبر و الصلاة فعلان أحدهما سلبي و الآخر إيجابي فإذا لم يجز الإستعانة بغير الله تعالى أو كانت الإستعانة بغيره جل جلاله شركاً فلماذا أمرنا بالإستعانة بالصبر و الصلاة ..
كما أنه عز و جل ينقل استعانة ذي القرنين بالقوم الذين لا يكادون يفقهون قولاً فيقول لهم : ” فأعينوني بقوة أجعل بينكم و بينهم ردماً ” و عموماً لا يمكن إدارة شؤون الحياة إلا بالإستعانة بالغير و قد استعان النبي صلى الله عليه وآله وسلم بالمؤمنين في غزواته و سائر أمور إدارة شؤون المجتمع و … بل قال تعالى في مسألة إفشاء سر النبي و التي سأتطرق لها فيما يأتي : ” إن تتوبا فقد صغت قلوبكما و إن تظاهرا عليه فإن الله هو مولاه و جبريل و صالح المؤمنين و الملائكة بعد ذلك ظهير ” فالله هو المولى المعين و الناصر لنبيه صلى الله عليه وآله وسلم و لكن لم يتوقف عند ذلك فجعل جبريل و صالح المؤمنين أيضاً ممن يعينه و ينصره و الملائكة بعد ذلك ظهير ، و مع ذلك نقول أنه لا استقلال لغير الله تعالى فغيره جل و علا إن كانوا ممن يعين و ينصر فبإذن الله تعالى لا بالذات و الإستقلال ..
و نفس الأمر صادق في الإستغاثة – الذي هو بمعنى طلب العون و النصرة من الغير فالإستغاثة تعني الإستعانة و الإستنصار – فإن الله هو المغيث و هو من يجب أن يستغاث به و لكن الإستغاثة بغيره تعالى ـ إذا كان ذلك الغير يغيث بإذن الله تعالى و تمكينه جل و علا و نحن نظرنا إليه بعنوان أنه واسطة الفيض و أنه إنما يغيث بإذن الله لا من قِبَل نفسه ـ في حقيقة الأمر استغاثة بالله لا بغيره و لهذا نجد أن القرآن أيضاً ينقل استغاثة صاحب موسى به عليه السلام و لم يُنکر عليه ذلك فقال عز من قائل : ” وَ دَخَلَ الْمَدِينَةَ عَلَى حِينِ غَفْلَةٍ مِنْ أَهْلِهَا فَوَجَدَ فِيهَا رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلَانِ هَذَا مِنْ شِيعَتِهِ وَهَذَا مِنْ عَدُوِّهِ فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ فَوَكَزَهُ مُوسَى فَقَضَى عَلَيْهِ .. ” ثم يذكر أن الذي استنصره بالأمس استصرخه في اليوم التالي أيضاً …
أضف إلى ذلك ما ورد بشأن إغاثة اللهفان المستغيث في حديث أبي ذر الغفاري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم و أنه من جملة أبواب الخير كما ورد في صحيح ابن حبان ، و قال ابن حجر في فتح الباري : ” و أما إغاثة الملهوف فله شاهد في الصحيحين من حديث أبي موسى فيه … ” و صرح بعض علماء أهل السنة أن إغاثة الملهوف فرض و ..
و أما التعظيم فهو أيضاً لله بالأصالة و لغيره بأمره تعالى و قد ورد الأمر بتعظيم النبي و توقيره صلى الله عليه وآله وسلم و تعظيم المعلم و الوالدين و كل من له حق على الإنسان … و لا داعي للغور في أمثال ذلك بعد ما تبين عدم منافاة أمثال هذه الأمور للتوحيد …
هذا و قد كتبت سابقاً جواباً لسؤال حول كون الإستغاثة شركاً أم لا ، و لأجل تتميم الفائدة أنقل لكم السؤال و الجواب :
السؤال :
سلام عليكم شيخ
ماجورين
الاستغاثة دعاء وقد قال الله عز وجل ( إن تدعوهم لا يسمعوا دعائكم ولو سمعوا ما استجابوا لكم و يوم القيامة يكفرون ” بشرككم ” ) فسمى الله سبحانه دعاء الأموات شركاً .
كيف نرد باسلوب بسيط؟
الجواب :
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
الشرك هو اتخاذ إله آخر مستقل عن الله تعالى سواء قلنا بأنه موجود مستقل في ذاته قبال الله تعالى ـ و هو الشرك في الذات – أو قلنا بأنه خالق مستقل – و هو الشرك في الخالقية ـ أو قلنا بأنه معبود مستقل ـ و هو الشرك في العبادة – و هناك أقسام أخرى …
و الشرك في العبادة إنما يتحقق فيما إذا خضع الانسان لموجود آخر خضوعاً تاماً مع اعتقاد أنه إله و رب ، و أما إذا لم يكن بهذه النية و هذا الاعتقاد لم يكن عبادة و قد أمر الله تعالى بتعظيم النبي صلى الله عليه وآله وسلم كما أن الشرع قد حث على تعظيم الوالدين والمعلم و .. و كذلك التوسل و الاستغاثة و الدعاء و الطلب إن كانت باعتقاد أن المتوسل إليه و المطلوب منه و المستغاث به موجودٌ مستقلٌ قبال الله تعالى و هو يجيب الدعاء بنفسه من دون أن يكون ذلك بإذن و تمكين من الله تعالى كان شركاً بلا ريب و أما إذا استغثنا بأحد من أولياء الله تعالى و طلبنا منه العون بإذنه جل و علا و بناءً على كونه ولياً لله عز و جل لا إلهاً و رباً فهو ليس مما لا يعد شركاً فحسب بل هو عين التوحيد حيث أننا نقول بأن أكمل الناس و الخلائق أجمعين إن تمكن من فعل شيء فإنما يفعله بإذن و تمكين من الله تعالى لا من قِبَل نفسه ، وهو يعد من الأسباب التي جعلها الله تعالى لإجراء الأمور في العالم و أبى الله أن يجري الأمور إلا بأسبابها … – و للبحث في هذا الموضوع مجال واسع لا يسعه هذا المختصر – ..
و أما الآية المذكورة فهي تتحدث عن المشركين الذين اتخذوا آلهة غير الله تعالى – راجعوا الآية و الآيات السابقة عليها في سورة فاطر من البداية إلى الآية ١٤ – ..
و من جانب آخر : الاستغاثة أمر مختلف تماما عن العبادة و الشرك و لهذا تأمر الروايات بإغاثة الملهوف و إجابة المستغيث ، يقول ابن حزم – و هو من علماء أهل السنة – في كتابه الفقهي : المحلى ج ٦ ص ١٥٧ : و عن رسول الله صلى الله عليه و سلم من طرق كثيرة في غاية الصحة أنه قال : ” من لا يرحم الناس لا يرحمه الله ” ثم يقول ابن حزم : قال أبو محمد : و من كان على فضلة و رأى المسلم أخاه جائعاً عريان ضائعاً فلم يغثه : فما رحمه بلا شك .
و في مسند أبي يعلى ج ٧ ص ٢٥٥: .. حدثنا زياد بن أبي حسان قال سمعت أنس بن مالك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ” من أغاث ملهوفاً كتب الله له ثلاثة و سبعين حسنة واحدة منها يصلح الله بها له أمر دنياه و آخرته و اثنتين و سبعين في الدرجات ” ..
و القرآن يصرح باستغاثة رجل من شيعة موسى عليه السلام و لم ينهه موسى عن الاستغاثة كما لم يردّ الله تعالى عليه و لم يقل أنه شرك قد ارتكبه ذلك الرجل جهلاً منه بمفاهيم الدين و بالتوحيد و … قال تعالى : “و دخل المدينة على حين غفلة من أهلها فوجد فيها رجلين يقتتلان هذا من شيعته و هذا من عدوه فاستغاثه الذي من شيعته على الذي من عدوه فوكزه موسى.. “.
و قد يقول هؤلاء بأن موسى كان حياً و أنتم تستغيثون بالأموات فالجواب واضح حيث أننا نعتقد بحياتهم في البرزخ و الآيات الدالة على الحياة البرزخية كثيرة لا مجال للخوض في طرحها و شرحها في هذا المختصر مضافاً إلى أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم شاهدٌ على الأمة و الشاهد يلزم أن يكون حياً شاهداً لأعمال الناس ليشهد بها لهم أو عليهم يوم القيامة…. ، هذا أولاً ، و أما ثانياً : فالعبادة و الشرك لا مدخلية لهما بحياة من يستغاث به فإن كانت الاستغاثة عبادة للمستغاث به فهو شرك سواء كان حياً أم لم يكن ، و إذا لم يكن شركاً بل كان أمراً صحيحاً خارجا عن حدّ الشرك فهو خارج عن حده سواء كان المستغاث به حياً أم ميتاً ، فلا مدخلية للموت و الحياة في صيرورة شيء شركاً أو خروجه عن حده ..
هذا تمام الجواب عن مسألة الإستغاثة ..
و تجدر الإشارة إلى أن ناقل الشبهات نقل لي بعد الجواب السابق بعض أقسام الشرك و كرر بعض الشبهات السابقة حول التوحيد فكتبت له : إن الشرك لا ينحصر فيما ذكرت بل للشرك كالتوحيد أقسام متعددة و تفسيرك لبعض أقسام التوحيد غير صحيح و أساساً من تنقل عنهم هذه الأمور لا يعتقدون بالتوحيد في تلك الأقسام و سأشير إلى ذلك في جواب ما تطرقتم له سابقاً …
و أنتم مشكلتكم الأساسية حالياً في طلب الحاجات و الإستعانة و الإستغاثة و أمثالها و أن ذلك منافٍ للتوحيد كما تفضلتم به و قلتم تريدون إكمال موضوعكم و استمهلتم و طلبتم عدم الرد مع أنني كنت قد أجبت على ذلك في الجواب على بعض أسئلتكم السابقة و لا أدري هر قرأته أم لا و إذا قرأته هل دققت فيه أم لا ..
و قد كان من المفترض أن يكون هذا هو المنهج في المناقشة من البداية فتطرح موضوعاً واحداً و نتناقش فيه فإذا وصلنا إلى نتيجة ننتقل إلى موضوع آخر لا أن تخلط التوحيد و أقسامه بمسألة الصحابة و عدالتهم و الخلافة و أن رواة القرآن من السنة ، و مسألة الشفاعة و بتعبيركم الشفاعة في الدعاء و ..
و لكن لا مشكلة في التطرق لجوانب أخرى من موضوع التوحيد الذي طرحته في كلام سابق دار بيننا فأقول متوكلاً على الله عز و جل :
أولاً التوحيد في الذات لا ينحصر بما ذكرتم و هو كون الله تعالى واحداً في ذاته و لا شريك له فإن هذا من أبسط معاني التوحيد و لكن مبلغ هؤلاء في التوحيد الذاتي هو هذا ، بل التوحيد الذاتي هو عدم كونه تعالى ذا شريك فليس هناك موجودان كل واحد منهما إله – و عوذاً بالله تعالى – و في المرحلة الثانية عدم إمكان أي إستحالة وجود الشريك له تعالى إستحالة ذاتية – لا مجرد الإستحالة الوقوعية – و في المرحلة الثالثة عدم إمكان افتراض إله آخر غير الله تعالى و ليس مجرد استحالة وجوده فقط فإن المستحيلَ مستحيلُ التحقق و ليس مستحيل الإفتراض و لكن شريك الباري تعالى ليس مستحيل التحقق فحسب بل هو مستحيل الإفتراض أيضاً و هذا لا يمكن تحققه إلا ببساطة الذات و عدم تركبه بأي نوع من أنواع التركب الخارجي و العقلي و التركب من الوجود و العدم ـ بمعنى كون الشيء واجداً لكمال فاقداً لكمال آخر و هو المسمى بالتركب من الوجود و العدم و هو مستلزم للمحدودية حيث أنه لا يكون موجوداً خارج حدود ذلك الكمال الذي يكون واجداً له حيث افترضنا أن هناك كمالاً آخر هو فاقدٌ له وهو مضافاً إلى كونه تركُّباً من الوجود و العدم و الذي يقال عنه أنه أخس أنواع التركب ، مستلزمٌ لأنواع أخرى من التركب ، فجميعها مسلوبة عنه تعالى و هي من الصفات السلبية له جل و علا ـ و إلا فلو كان فيه نوع من التركب لما كان شريكه مستحيل الإفتراض بل لما كان مستحيل الوجود أيضاً و إن لم يكن في الخارج إلا واحد ، فبناءً على التركب لا يستحيل وجود الشريك فكيف بافتراضه في حين أن الله تعالى مضافاً إلى استحالة وجود شريك له ، لا يمكن افتراض الثاني له أيضاً و هذا لا يمكن إلا بكونه بسيط الحقيقة و مجرداً تاماً عن جميع أنواع التركب و هو المسمى في لسان الشريعة بالأحدية ، و الواحديةُ الحقة لا يمكن أن تتحقق من دون الأحدية و البساطة المطلقة المُعَبَّر عنها في لسان المعصومين و لا سيما أمير المؤمنين بالوحدة غير العددية فقد ورد في كلماتهم عليهم السلام عن توحيد الله : ” واحد بلا عدد ” ..
و هذا هو التوحيد الحق أو من مراتبه و هو ما لا يؤمن به هؤلاء الذين تتشبث بأقوالهم في مسألة التوحيد بل لا يعرفون معناه بالدقة ـ مع أنهم يدّعون أنهم هم الموحِّدون و ينسبون جميع من سواهم إلى الشرك ـ و كيف يمكنهم معرفة ذلك و الإيمان به مع اعتقادهم بالتجسيم مضافاً إلى القدماء الثمانية التي سأشير إليها لاحقاً ، و التجسيم هو أخس أنواع الشرك و هو شرك جلي و ليس خفياً ، و لكننا مع ذلك لا نُخرج هؤلاء من الدين و الملة – خلافاً لهم حيث يخرجون كل من لا يوافقهم في الرأي عن الدين و الملة و يحكمون عليهم بالشرك و الإرتداد – لأننا نعلم أن الجهل هو السبب في هذا الإعتقاد و لولاه لما قالوا بالتجسيم الذي ينافي كونه تعالى أحداً و هو مؤدٍ إلى نفي الواحدية الحقة أيضاً ..
و خلاصة الكلام أن التوحيد في الذات ليس كما تصورت – و لا لوم عليك لذلك لأنك لم تدرس العقيدة بمنهجية علمية و إنما راجعت هذا و ذاك و قرأت بنفسك كما لا ألوم مدرسيك من القوم أيضاً فهم أيضاً بعيدون عن الأبحاث العقلية و الاستدلالات و البراهين المبتنية على العقل و النقل الصحيح .. – نعم : ليس التوحيد الذاتي كما تصورت منحصراً بعدم وجود الشريك له تعالى فذلك توحيد يعرفه الأطفال و كان الآباء و الأمهات يعلموننا ذلك لما كنا صغاراً ، بل التوحيد الذاتي ينقسم إلى واحدية الذات و أحديتها و الأول لا يتحقق إلا بتحقق الثاني و لكنهم لا يقولون بالثاني فلا يتحقق عندهم الأول أيضاً فتدبر فإنه حقيق به ..
* هذا كله في مسألة التوحيد في الذات ، و أما التوحيد في الصفات فهو الآخر أيضاً مما اشتبه عليكم الأمر فيه ـ كالتوحيد الذاتي ـ حيث قلت : ” النوع الثاني شرك الصفات اي ان تشرك من هو دون الله مع الله في اسم وصفة من صفاته العليا ولو جزئياً ”
و هذا خطأ في تفسير التوحيد الصفاتي فإن الصفات بعضها مختصة بالله تعالى كالقيومية و الأزلية الذاتية و الديمومية الذاتية و … و هناك صفات تَحْمِلُ مفاهيم كمالية و تُعتبر كمالاتٍ وجوديةً ، و هذه المفاهيم إذا كانت محدودة ناقصة تُحْمَلُ على الخلق و إذا أخدناها بوصف الكمال التام الخالي عن أي نقص و عيب و بوصف اللامحدودية كانت صفاتٍ لله تعالى لا غير كالعلم و القدرة و الحياة فنتمكن أن نقول أن زيداً عالم كما نقول أن الله عالم و لكن أين هذا العالم من ذاك فإن علم زيد محدود بحدود خاصة و مشوب بالجهل و أما علم الله تعالى فهو غير متناهٍ و بطبيعة الحال العلم غير المتناهي لا يشوبه بل لا يمكن أن يشوبه شيء من الجهل و إلا لكان محدوداً لأنه يكون العلم مفقوداً في موارد الجهل كما لا يخفى .. ، و نفس الكلام جارٍ في القدرة و الحياة بل و الوجود أيضاً فالوجود ليس له معانٍ متباينة بل الوجود وجودٌ سواء كان في واجب الوجود بالذات أو في الممكنات و الفرق في الشدة و الضعف كالنور حيثما تقوّى و ضعف – على حد تعبير المحقق السبزواري – فوجود الخلق محدود متناه مكتسب من الله تعالى و لكن وجود الله تعالى غير متناه و لا يشوبه شيء من النقص و العدم و هو عين ذاته تعالى و ليس مكتسباً من غيره جل و علا …
و بناءً على تفسيركم للتوحيد الصفاتي إذا قلنا : ” زيد عالم ” كان شركاً لأننا أشركنا معه غيره في العلم و كذا القدرة و الحياة ناهيك عن مسألة الوجود الذي يلزم على قولكم أن يكون شركاً في الذات – و طبعاً إذا قلت أن ذلك شرك فالأفضل لك ترك الغور في هذه الأبحاث و الذهاب إلى الملعب للعب كرة القدم و .. – ، فالله تعالى واحد لا شريك له في درجة العلم و القدرة و الحياة و كونها ذاتية له و عين ذاته كما سيأتي و لا يشاركه غيره في ذلك مع أننا نُثْبِتُ العلم و القدرة و الحياة و الوجود لغيره تعالى أيضاً ..
فليس هذا معنى التوحيد في الصفات ـ كما يتصوره هؤلاء و تتصوره أنت بتبعهم ـ بل التوحيد الصفاتي هو كون الصفات الذاتية لله تعالى من العلم و القدرة و الحياة والقيومية الذاتية والعظمة و الجمال و الجلال و .. عين الذات الإلهية المتعالية و كل واحدة منها عين الأخرى مصداقاً لا مفهوماً ، بمعنى أن مفهوم العلم غير مفهوم القدرة و هذان المفهومان غير مفهوم الحياة و هي غير مفهوم الجلال و .. و هذه المفاهيم غير مفهوم و معنى الذات و لكن المصداق الخارجي لجميع هذه المفاهيم شيء واحد فالله تعالى خارجاً عين العلم و القدرة و الحياة و .. و ليس موجوداً مركباً من العلم و القدرة و الحياة … كما أنه ليس موجوداً مركباً يكون عالماً بجزء منه و قادراً بجزء آخر و حياً بجزء ثالث و هكذا … بل هو الله الواحد الأحد العالم القدير و .. و في المصداق الخارجي علمه عين قدرته و هما عين حياته و .. – كما أسلفنا – و لتوضيح ذلك يمكن التمثيل بالنار التي تُحْرِق و تنير فمفهوم الإحراق غير مفهوم الإنارة و لكن في الخارج المُحْرِق نفسه هو المنیر ، كما يمكن التمثیل بكل موجود من موجودات عالم الإمكان كالإنسان مثلاً فهو معلوم لله تعالى و مقدور له عز و جل و مراد له جل و علا و مخلوق له سبحانه و معنى المعلومية غير معنى المقدورية و هما غير معنى المخلوقية و لكن المصداق الخارجي واحد فالمخلوق لله عين المعلوم و المقدور و المراد له ..
فهذا هو المقصود من التوحيد في الصفات و لكن الإشاعرة من أهل السنة – الذين ينتمي إليهم السلفيون في العقيدة – لا يرون التوحيد الصفاتي و يقولون بالقدماء الثمانية فيقولون أن العلم و القدرة و الحياة و السمع و البصر و الكلام و الإرادة و الذات المتعالية أشياء مختلفة و مصاديقها في الخارج متفاوتة كما أن مفاهيمها متغايرة و بهذا يلزمهم القول بوجود ثمانية قدماء – و المقصود من القديم هنا هو من لا أول له أي الأزلي – و هو مستلزم لمحاذير متعددة من جملتها إمكان الوجود لا وجوبه ، و حدوثه تعالى عن ذلك علواً كبيراً بمعنى أن افتراض عدة قدماء و موجودات أزلية يستلزم عدم الأزلية و ما يلزم من وجودِه عدمُه باطل و مستحيل – و لتوضیح ذلك مجال ٱخر و قد يكون فهمه صعباً عليكم … – ..
فمن هو الموحد يا عزيزي يا حجي … ، من يلتزم بالقدماء الثمانية أم الشيعة القائلون بالتوحيد الذاتي و الصفاتي و عموماً التوحيد في جميع أبعاده و بأدق معانيه ؟ فلا تتصور أن الشيعة لا يفهمون معنى التوحيد فإن مخالفيهم هم الموصوفون بذلك و لا أريد الغور في هذا الجانب أكثر من هذا ..
موفقين لكل خير و لمعرفة الحق بحق من غُصب حقه عليه صلوات الله الملك الحق المبين ..
أيوب الجعفري