مكر الشيطان :
سؤال : الشيطان قال لله عزوجل
انظرني الى يوم يبعثون ، فقال له الرب القدير إنك من المنظرين الى يوم الوقت المعلوم ، فهل ما يقال بخصوص مكر الشيطان بانه مكر على الله عز و جل و تمكن من اغتنام الفرصة من الله القدير بانه رحيم كي يكسب المزيد من الوقت ؟ كي يغوي الناس الى القيامة ؟ و هل الوقت المعلوم هو وقت ظهور المولى صاحب الزمان علية السلام أم المراد يوم القيامة؟
المستفسر الفاضل : سلام علیكم شیخنا ، شیخنا لو تفضلتم بالاجابة على هذا السؤال ولكم الاجر ..
_____________________________________
الجواب : وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
.. لم و لن يتمكن أحد من الموجودات من المكر و الاحتيال على الله تعالى بحيث ينخدع بذلك و عوذاً به فإن ذلك يعني عدم علم الله تعالى بما يريد ذلك الموجود أن يخدع به اللهَ سبحانه و تعالى و هو جل و علا عالمٌ بجميع الأشياء و بالسر و أخفى من السر فيعلم ما يخفيه الانسان و الجن و الملائكة و.. كما يعلم ما لم يخطر ببالهم و ما سيخطر ببالهم مستقبلاً (و هذا من مصاديق الأخفى من السر .. ) .
و أما قصة الشيطان فقد خلقه الله تعالى و هو عالم بسره و علانيته ـ مُلكه و ملكوته ، ظاهره و باطنه – و هو مخلوق ليُمْتَحَنَ و يُمْتَحَنَ به غيرُه من الجن و الانس ، و قد خُلق ليبقى الى اليوم الوقت المعلوم و كان الله تعالى يعلم بذلك من الأزل ، و أما الاستمهال من قِبَل الشيطان فكان لأجل جهله ـ أي الشيطان – بأنه سيبقى فطلب من الله تعالى أن يبقيه فأجابه الله تعالى بأنك ستبقى إلى ذلك الوقت ، أو أنه كان جاهلاً ببقائه في حين أن الله تعالى كان قد قدّر بقاءه و لكن بطلبه ذلك و كان الله تعالى يعلم بأنه سيطلب البقاء فطلب و استجاب الله تعالى له … و لولا بقاء الشيطان لاختلّ أحد اركان الابتلاء و الامتحان و التكليف فإن التكليف و الامتحان إنما يتحققان فيما إذا كان هناك طريقان طريق الخير و طريق الشر …
مضافاً إلى ضرورة وجود قُوى الخير و الشر لتدعو قُوى الشر إلى الشر و قُوى الخير إليه ، و هذه القُوى قد تكون داخلية – و هي القوة الشوقية القابلة لأن تصبح من قوى الشر بإعمالها في غير ما خُلقتْ له .. و تنقسم إلى الشهوية و الغضبية قبال القوة العاقلة و الفطرة – و قد تكون خارجية و هي الشياطين و على رأسهم إبليس قبال الأنبياء و الأولياء و الصلحاء ، فكان بقاء الشيطان مقرراً و مقدراً من قبل الله تعالى و إن كان بطلبه و دعائه فإن الطلب و الدعاء لا ينافي التقدير و القضاء و القدر – و مثالاً على ذلك : نحن نعلم أن الله تعالى قد قدّر أن يغفر للمذنب مثلاً و لكنه سبحانه و تعالى قدّر ذلك إذا استغفر أو نالته شفاعة الشافعين بإذن رب العالمين ، و أما إذا لم يستغفر و لم يستحق الشفاعة فلم يقدّر العفو عنه ، و في قصة الشيطان كان الله تعالى يعلم بأن الشيطان سيطلب منه ذلك فكان بقاؤه بتقدير من الله تعالى و إن كان هذا التقدير متوقفاً على طلب الشيطان نفسه …
و بذلك يتبين عدم وجود خديعة من قبل الشيطان قبال الله تعالى و هو – أي الشيطان – يعلم أكثر من كثير ممن سواه إن لم نقل من الجميع أنه لا يمكن أن يمكر و يخدع الله تعالى … و أما أنه إلى متى سيبقى فالآية تنقل عنه أنه طلب البقاء الى يوم القيامة و أجابه الله تعالى بأنه من المُنْظَرين – أي المُمْهَلين – الى اليوم الوقت المعلوم و قد فُسّر ذلك بيوم القيامة كما فُسّر بيوم الظهور على ما في بعض الروايات التي يمكن تفسيرها بأن المقصود من اليوم الوقت المعلوم في الآية الشريفة هو يوم القيامة و ذلك لأن التكليف لا يزول بظهور الحجة عليه السلام و عجل الله تعالى فرجه الشريف حتى يقال بأن الشيطان سينتهي دوره فلا حاجة إلى بقائه و لا موجب لحياته بعد ذلك بل يبقى التكليف ما دام هناك مكلف في الدنيا ، و مع بقاء التكليف يلزم بقاء من و ما يُمتحن به الإنسان و سائر المكلفين في باطن وجودهم و ظاهره – النفس الأمارة و شياطين الجن و الإنس – … فيكون المقصود من كونه من المنظرين إلى يوم الظهور هو انه سيكتمل الايمان بعد ظهور الحجة المنتظر عجل الله تعالى فرجه الشريف فلا يتمكن الشيطان من التأثير أو التأثير التام المرجوّ له في الناس و سائر المكلفين فلا يتمكن من الإغواء لا لأجل أنه لا يوجد تكليف و لا يمكن أن ينحرف أحد و لا لأجل أن الشيطان قد ضعفت قواه في حد ذاتها بل لأجل أن مناعة المكلفين في ذلك العصر ستقوى بقوة إيمانِهم و معرفتِهم فلا يتمكن من التأثير أو التأثير التام فيهم، كما أن الشيطان يوسوس للمتقين في هذا العصر – عصر الغيبة – و لكنهم لا يقبلون منه و لا يتأثرون بوساوسه لا لأجل فتوره و ضعف وساوسه بل لقوة المتقين في إيمانهم و معرفتهم بعظمة رب العالمين وجماله حيث أن مشاهدة جمال من هو عين الجمال و عظمة من هو عين العظمة تحجبان الإنسان من مشاهدة الغير أو الإلتفات إلى من سواه جل و علا فلا يتحقق إلتفاتٌ إلى الشيطان كي يتمكن من الإغواء – كما هو الحال في المخلَصين بفتح اللام – أو أن خشية رب العالمين تحجب المتقين من العصيان وتمنعهم من اتباع الشيطان ، فمع أن وجودَ الشيطان أمر ضروري في نظام عالم الإمكان و وجودَه من ضروريات تحقق النظام الأحسن في الدنيا التي هي دار امتحان و ابتلاء و تكليف، مع ذلك لا يتمكن هذا الشيطان من التأثير في المتقين ومَنْ فوقَهم في درجات الإيمان والمعرفة، و سيعم هذا الأمر في عصر حضور الحجة المنتظر عجل الله تعالى فرجه الشريف فيكون إيمان الغالبية بدرجة من الكمال بحيث لا يتمكن الشيطان من التأثير أو التأثير التام فيهم فيكون ذلك موتاً له و لوساوسه مع انه لا بد من وجوده ليتحقق الإمتحان فينجح الناجحون و ترتقي درجات إيمانهم و يصبحوا من الملكوتيين شيئاً فشيئاً …
و بارك الله فيكم و وفقكم لكل خير و لا تنسوني من صالح دعواتكم الخالصة ..
أيوب الجعفري
ليلة الأربعاء ١١ ذوالقعدة الحرام ١٤٣٩ ه ق
الموافق ٢٥ / ٧ / ٢٠١٨ م
https://telegram.me/ayoobaljafary