*حكمة رفع اليدين إلى السماء في الدعاء*
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته شيخنا الفاضل
*سؤال* دائماً يدور في بالي وهو لماذا نرفع أيديني للدعاء؟ فمع العلم بأن الارض كروية و في كل بقعة منها يختلف السماء فالبعض يكون على أطراف الكرة والبعض بالقرب من القطبين و ما شابه … أليس الله سبحانه و تعالى هو الأول و الآخر والظاهر و الباطن؟ و إذا كنا نؤمن بأن البينونة بيننا وبين الله تعالى بينونة صفة لا بينونة عِزلة، فما الغاية من رفع الأيادي نحو السماء؟
——————————————————————————-
*الجواب :
و عليكم السلام و رحمة الله و بركاته و تقبل الله أعمالكم ..
العبادات الجسدية تمثيلات لعبادة الروح و الروحُ مجردٌ عن المادة و لكن يلزم أن يظهر أثر عبادة الروح على الجسد فيجب أن نركع و نسجد و نقرأ و نذكر و نتوجه إلى جهة خاصة هي القبلة و نتطهر و .. و الدعاء أيضاً عبادة و هي طلب الداني من العالي ( فطلب الخلق من خالقهم المتعالي دعاءٌ ) و الله تعالى موجود مجرد تام التجرد و ليس له مكان و هو بكل شيء عليم و لا يحتاج إلى بيان و إظهار ما في القلب فهو يعلم ما نطلبه منه بقلوبنا و مع ذلك يلزم التضرع إليه و ظهور علامات العبادة القلبية بإبراز الحاجة و الفقر إليه فالحركات الجسمانية تمثيلات للعبادة الروحانية و التعبد له و التضرع إليه جل و علا ، و من تلك الحركات رفع اليدين في الدعاء فإن الله تعالى و إن كان حاضراً في كل مكان لا بالحلول بل بالحضور العلمي و بالقدرة و نفوذ الإرادة و .. و لكن يلزم إظهار الحاجة له لنُظهر بذلك تعبدنا و حاجتنا و فقرنا الذاتي و المطلق إليه تعالى ، لا لحاجة منه لذلك وعوذاً به بل لتربيتنا و تذكُّرِ حاجتنا و فقرنا و كوننا عبيداً – فجميع الخلق عبيد له تعالى و لكن القيمة المعنوية تكمن في إبراز هذه العبودية و الإقرار بها – و من مظاهر العبوديةِ له و إظهارِ الفقر و الحاجة هو رفع اليدين إلى السماء ، و السماء هي جهة العِلْوِ فنتمثل برفع اليدين إلى السماء في إظهار عُلُوِّهِ تعالى و تذلُّلِنا تجاهه جل و علا …
و كون الأرض كروية لا ينافي كون السماء فوقنا و في جهة العِلو دائماً فالسماء فوق رؤوسنا في النهار كما أنها فوق رؤوسنا في الليل ، و رفع اليدين إلى السماء يعني إلى جهة العِلو و هو – أي رفعهما إلى جهة العِلو – إشارةٌ إلى عُلُوّ مرتبته جل جلاله بلا فرق بين الليل و النهار – بين شرق الأرض و غربها – بين القطبين و غيرهما و ..
هذا و قد ورد في خبر عن أمير المؤمنين عليه السلام أن حكمة رفع اليدين إلى السماء هي كون الأرزاق في السماء فعن أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام قال حدثني أبي ، عن أبيه عن آبائه عليهم السلام قال أمير المؤمنين عليه السلام : إذا فرغ أحدكم من الصلاة فليرفع يديه إلى السماء و لينصب في الدعاء فقال ابن سبا : يا أمير المؤمنين أليس الله في كل مكان ؟ قال : بلى ، قال : فلِمَ يرفع يديه إلى السماء ؟ فقال أو ما تقرأ : ” وفي السماء رزقكم و ما توعدون ” فمن أين يطلب الرزق إلا من موضع الرزق ، و موضع الرزق و ما وعد الله السماء . علل الشرائع ج ٢ ص ٣٤٤ الباب ٥٠ ..
كما أن فيه نوعاً من التذلل و التخضُّع لله تعالى و هو ما يؤدي إلى إجابة الدعاء و سرعتها كما ورد في الخبر عن الإمام الباقر عليه السلام أنه قال : ” ما بسط عبدٌ يده إلى الله عز و جل إلا استحيى الله أن يردها صفراً حتى يجعل فيها من فضله و رحمته ما يشاء ، فإذا دعا أحدكم فلا يرد يده حتى يمسح بها على رأسه و وجهه – و في خبر آخر : على وجهه و صدره ” عدة الداعي و نجاح الساعي ص ١٩٦ ..
فليس رفع اليدين إلى السماء لأجل أن الله تعالى في السماء ، حيث أن الله تعالى ليس بجسم كي يكون في السماء كما أنه ليس له حيّز و مكان ليكون محله و مسكنه السماء ، و قولُه تعالى : ” و هو الذي في السماء إله و في الأرض إله ” يعني أن ألوهيته لا تنحصر بمكان دون مكان أو بشي دون شيء بل هي سارية في جميع الوجود و عالم الإمكان ، فرفع اليدين إلى السماء إنما هو للتذلل و إظهار الفقر و الحاجة و الإقرار بعُلُوِّ مرتبته تعالى و لأجل أن الأرزاق و ما وعدنا ربنا في السماء مضافاً إلى التعبد بذلك حيث ورد الأمر برفع اليدين في الدعاء في الأخبار و الروايات فيكون نفس رفع اليدين عبادةً كما أن السجود بنفسه عبادة ..
موفقين لكل خير ..
و لا تنسوني من صالح دعواتكم الكريمة ..
أيوب الجعفري
يوم الأربعاء ٢٠ شوال ١٤٣٩ ه ق
الموافق ٤ / ٧ / ٢٠١٨ م