ثقل زيارة عاشوراء
سلام عليكم .. يُنقل عن الشيخ بهجت رضوان الله تعالى عليه أن زيارة عاشوراء ثقيلة و فيها عصا التأديب فما المقصود من ذلك ؟
الجواب : و عليكم السلام و رحمة الله و بركاته
بسم الله الرحمن الرحيم :
كنت قد أجبت على هذا السؤال قبل فترة و لم يتم نشره في ذلك الوقت و إليكم ذلك الجواب المختصر بشيء من البيان الذي أضفت إليه لاحقاً :
يفسر البعض كلام الشيخ بهجت رضوان الله تعالى عليه – و هو منقول عن غيره من العرفاء أيضاً – بأن زيارة عاشوراء ثقيلة من حيث المضامين و المعارف فلا ينبغي أن يجعلها الإنسان وسيلة لقضاء حوائجه التافهة و المتعلقة بأمور الدنيا التي هي بأجمعها متاع قليل فهناك من يجعل زيارة عاشوراء وسيلة للحصول على مبلغ من المال لشراء سيارة مثلا في حين أن منزلة هذه الزيارة أعظم من أن تُجعل وسيلة لأمور دنيوية لا قيمة لها عند من له عين البصيرة و المعرفة ..
هذا ما يقوله البعض في تفسير كلام الأعاظم بتوضيح مختصر من هذا العبد ، و الذي يظهر لي هو أن ما ذُكر في تفسيره صحيح و لكنه ليس حصريا فمن الممكن أن يكون المراد شيئاً آخر أيضاً و هو أهم من التفسير المذكور و هو أن هذه الزيارة بمضامينها العالية – إذا كانت قراءتها بحضور و إقبال القلب و الإخلاص مع المعرفة – توجب ترقي الإنسان في مدارج الكمال و نيل المقامات العالية و زوال الحجب و التقرب إلى الكمال المطلق جل و علا ، و من المعلوم أنه لا يمكن نيل تلك المقامات من دون امتحان و ابتلاء و حتى الأنبياء و الأئمة عليهم السلام لم يكونوا بمنأى من الابتلاءات الالهية التي توجب ظهور و بروز و فعلية الكمالات الروحانية و تؤدي إلى استحقاق المناصب الربانية كالإمامة الإلهية فهذا إبراهيم الخليل عليه السلام قد ابتُلي ببلاء عظيم فأصبح إماماً بعد صبره و نجاحه فيما ابتلي به كما يخبرنا به القرآن الكريم في قوله تعالى : ” و إذا ابتلى إبراهيمَ ربُّه بكلمات فأتمهن قال إني جاعلك للناس إماماً قال و من ذريتي قال لا ينال عهدي الظالمين ” فبعد ما أتمّ إبراهيم عليه السلام تلك الكلمات التي ابتُلي بها جعله الله إماماً و قد كان ذلك في كِبَره و بعد تقدُّمه في السن لأنه لم يكن قد وُلد له في سنيّ شبابه إسماعيل و إسحاق على نبينا و آله و عليهما السلام بل قد كان بحالة يظهر منها اليأس عن الذرية حيث أنه بعد ما بشرته الملائكة بغلام عليم : “قال أبشرتموني على أن مسني الكبر فبم تبشرون * قالوا بشرناك بالحق فلا تكن من القانطين ” فإبراهيم عليه السلام بعد امتحانات و ابتلاءات كثيرة طوال عمره أصبح مؤهلاً لتلقّي فيض الإمامة و لولا أنه قد أتم الكلمات التي أمتُحن بها لما جعله الله تعالى إماماً ، و عندما جُعل إماما قال : “و من ذريتي” فيتبين أنه أصبح إماما بعد ولادة إسماعيل و إسحاق أو ولادة اسماعيل – على أقل تقدير – فلم يكن بحالة لم يتوقع الذرية لانه قد وُلد له إسماعيل أو هو و إسحاق و لهذا طلبها – أي الإمامة – لذريته ؛ فلا محالة كانت إمامته بعد كِبَر سنه .. و الخلاصة أن عظماء البشرية و الانبياء و الأولياء و الأئمة الأطهار عليهم صلوات الله الملك المنان قد نالوا ما نالوا من القرب و بلغوا ما بلغوا من درجات و مقامات و فعلية كمالات ، بعد الامتحان و الابتلاء ( و طبعا قد يكون الامتحان بعد منح المقامات لعلمه تعالى بفوز هذه الشخصية العظيمة في ظرف الامتحان و الابتلاء و نجاحه التام كما بينا ذلك في بعض الأجوبة على بعض الشبهات قبل عدة سنوات و بيّنّا هناك أن إعطاء المقامات و المناصب الإلهية قد يكون بعد فعلية الكمالات و تحقق الاستحقاق و ذلك – أعني تحقق الاستحقاق – لأجل الوعد الإلهي بمنح هذه المقامات لمن ينجح في الامتحانات و يُتِمّ الكلمات و قد يكون قبل ذلك تفضُّلاً منه تعالى لعلمه بتحقق الاستحقاق مستقبلا كما يستفاد ذلك من بعض الروايات التي تتحدث عن مقامات أهل البيت عليهم السلام حيث أفيضت أو كثير منها عليهم من بداية ولادتهم و قبل فعلية الامتحان في عالم المُلك و الطبيعة .. ) فإذن لا يخلو أحد من الامتحان و لا ينجو من الابتلاء في هذه الدنيا التي هي دار بلاء و ابتلاء ، و من الواضح أن الامتحان و الابتلاء يكون بقدر القرب كما أن البلاء بالولاء و بقدره ، و هذه الزيارة القدسية وسيلة للقرب و القرب سبب للابتلاء و الابتلاء أيضا بدوره يوجب القرب الأكثر مع التوفيق فيه كما يوجب استحقاق نيل المقامات الالهية و المناصب الربانية و … فهذه الزيارة العظيمة ثقيلة و فيها عصا التأديب .. و هذا من جملة ما يمكن قوله في تبيين كلمات الإعلام و أعاظم العرفاء بشأن ثقل زيارة عاشوراء ..
موفقين لكل خير و لا تنسوني من صالح أدعيتكم الخالصة ..
أيوب الجعفري
يوم الخميس ٣٠ ذو الحجة الحرام ١٤٤١ ق
الموافق ٢٠ / ٨ / ٢٠٢٠ م
https://telegram.me/ayoobaljafary