بسم الله الرحمن الرحيم

تفسير قولهم عليهم السلام : “نحن الصلاة و نحن الصوم”

: سؤال من أحد الأساتذة المؤمنين .. السلام عليكم و رحمة الله و بركاته سماحة الشيخ … لدي سؤال إذا سمح بذلك وقتكم . قال الإمام الصادق “عليه السلام”: نحن الصلاة ونحن الصوم بل ونحن القبلة و نحن وجه الله. ( بحار الأنوار ج 24/ص 303 ). كيف نفهم هذا الحديث جناب الشيخ العزيز؟

الجواب :

         و عليكم السلام ورحمة الله و بركاته سماحة الأستاذ المبجل .. نعم قد ورد عن الامام الصادق عليه السلام انه قال في جواب على سؤال داود بن كثير عن هذا الموضوع :” يا داود نحن الصلاة في كتاب الله عز و جل و نحن الزكاة و نحن الصيام و نحن الحج و نحن الشهر الحرام و نحن البلد الحرام و نحن كعبة الله و نحن قبلة الله و نحن وجه الله …” إلى آخر الحديث و الظاهر أن المقصود من أمثال هذه الروايات هو أن الأئمة عليهم السلام مجمع الفضائل و حقيقتها فكل فضل يتحلى به أحد فهم يتحلون به بنحو أكمل و بدرجة أعلى، و كل فضيلة يمكن تصورها فهم متصفون بأعلى مراتبها بل هم حقيقتها فإن الإنسان الكامل هو أصل الفضل و الفضيلة، فالفضائل و الصفات الكمالية جزء من حقيقتهم النورانية – لأنها بترسخها في القلب تصبح جزء من روح و حقيقة المتخلق و المتصف بها و توضيح ذلك يتطلب مجالا آخر و سنشير لاحقا إلى جانب منه باختصار – فهم عين الصلاة و الصيام و سائر العبادات لأن هذه العبادات قد جُعلت و شُرِّعت لأجل الارتباط برب العالمين و هم عليهم السلام في أعلى مراتب الارتباط به جل و علا بل هم يرون أنفسهم عين الربط في ذواتهم كما أنهم يرون أعمالهم و اخلاقهم عين الارتباط بالله سبحانه و تعالى فهدفهم الأساس هو الارتباط بالحق جل و علا – مضافا إلى أن كل من أراد أن يرتبط بالله تعالى فعليه أن يسلك الصراط المستقيم و هم عليهم السلام الصراط المستقيم فهم الموصِلون لمن ارتبط بهم و تولى ولايتهم إلى القرب العبودي و المعرفي إلى الله تعالى .. –

        و لهذا الأمر نظائر في القرآن الكريم أيضاً و من جملتها أنه تعالى جعل المؤمنَ هو البِرّ فقال جل و علا : “و لكن البِرَّ من آمن بالله و اليوم الآخر ..” و لم يقل : “و لكن البارّ أو البَرِّ (بفتح الباء ليكون صفة مشبهة بمعنى الفاعل أي البارّ ) من آمن ..” أو : “و لكن البِرَّ إيمانُ من آمن ..” بل جعل البِرَّ نفسَ المؤمنِ و المؤمنَ عينَ البِرّ و ذلك لأجل أن البِرّ وصف لموصوفه و ما لم يكن هناك موصوف به لما كان له معنى و تحقق خارجي فالبر الحقيقي هو البارّ مضافا إلى أن البر قد أصبح جزءاً من حقيقته كما أشرنا و ليس هذا مجرد مبالغة في التعبير فقد ورد في علم البلاغة أساليب و عبارات للدلالة على المبالغة لبيان شدة ارتباط الصفة بالموصوف أو الخبر بالمبتدأ، و المسند بالمسند إليه و من جملتها حمل المصدر على الذات فيقال : “عليٌ عدلٌ” لشدة عدله عليه السلام إلا أن ذلك من جملة الوجوه و ليس الوجه الوحيد و ذلك أن تحول الصفات الكمالية و الأفعال الفضائلية أو الرذائل و الصفات الدالة على النقص إلى صفاتٍ راسخة في القلب و أفعالٍ مترسخةِ الجذور في النفس يجعل الانسانَ عين تلك الصفات و الأفعال لأنها تتحول بالترسخ في القلب إلى ملكات نفسانية تشكّل حقيقة الموجود فيصبح حقيقته عين الصلاة و الصيام و الحج و الشهر الحرام و البلد الحرام و الكعبة و القبلة و وجه الله و الآيات البينات – و لوجه الله بيان آخر يلزم التطرق له في موضوع آخر في مبحث مستقل و إجماله أن الوجه ما يواجَه به الغير و يواجِهه غيرُه به، و بما أن آيات الله تعالى و أسمائه الحسنى تُبَيِّن لنا جانبا و وجها من كماله و جماله و جلاله فهي وجه الله تعالى و بما أن الأسماء لا تنحصر في الأسماء اللفظية بل الأسماء الوجودية التي تعتبر آيات لله تعالى و مظاهر لصفات جماله و جلاله جل و علا، أيضا أسماءٌ بل هي الأسماء الحقيقية، فهم عليهم السلام بهذه النظرة و غيرها وجه الله – كما أن اعداءهم هم الفحشاء و المنكر و البغي و الخمر و الميسر و الأنصاب و الأزلام و الأصنام و الاوثان و الجبت و الطاغوت و .. – كما ورد في نفس الحديث الذي أشرتم إليه  ..

        هذا، و يمكن القول بأن حقيقة الصلاة و سائر العبادات هي من تجليات الولاية الربانية التي تكون ولايةُ النبي صلى الله عليه و آله و ولاية أهل البيت عليهم السلام امتدادا لها أو أنها من تجليات تلك الولاية الكلية الإلهية فإذا كانت العبادات تجليات الولاية الإلهية و كانت ولاية أهل بيت النبوة أيضا من تجليات الولاية الإلهية كانوا هم الصلاة و الصيام و سائر العبادات، قال بعض أهل المعرفة : “إن الصلاة الظاهرة ولاية ظاهرية، فلو لم تقبل لا صلاة لصاحبها، و الولاية الواقعية صلاة باطنية، فمن اتصف بها فهو في الصلاة و مقيم لها، و هذه كلها مع أسرارها ظاهرا و باطنا لا تتحقق إلا بالإمام عليه السلام و هو حامل لها و لأسرارها و المتحمل لأعبائها الظاهرية و الباطنية ..” .

        و أضف إلى ذلك أنهم عليهم السلام هم وسائط الفيض في التشريع و التكوين و في قوسي النزول و الصعود فمن أراد أن يتقرب إلى الله تعالى فعليه أن يتوسل إليه بوسائط فيضه تعالى و أن يأخذ منهم لا ممن سواهم ما يمكن التوسل به إلى الله تعالى فإذا كانت الصلاة و العبادات هي الوسائل المقربة إلى الله تعالى و كان أهل البيت عليهم السلام أيضا الوسيلة المقربة إليه جل و علا كانوا هم الصلاة و الصيام و الحج كما أنهم هم الآيات البينات و الدلائل الظاهرات و العلوم الكاملة و السنن المشهورة و .. كما نخاطب الامام صاحب الامر عجل الله تعالى فرجه الشريف في دعاء الندبة بقولنا : “يا ابن ابن المعالم المأثورة ، يا ابن المعجزات الموجودة ، يا ابن الدلائل المشهورة، يا ابن الصراط المستقيم … يا ابن الآيات البينات، يا ابن الدلائل الظاهرات .. يا ابن النعم السابغات ، يا ابن طه و المحكمات، يا ابن يس و الذاريات و ..” فهم الصراط المستقيم و هم البراهين كما أنهم هم الصلاة و الصوم و ..  فاتّباعهم و طاعتهم صلاةٌ و صيام و حج و .. كما أن أعداء الله تعالى بعيدون كل البعد عنه جل و علا و المتمسك بهم و المطيع لهم – أي لأعداء الله – قد توسل بما يبعده عن الله تعالى و المبعّد عن الله تعالى هو عين المنكر و الفحشاء و البغي و الظلم الطاغوت و .. فأعداء أهل البيت عليهم السلام هم عين المنكر و الفحشاء و البغي و .. لأنهم عليهم السلام أولياء الله تعالى فأولياؤهم أولياء الله و أعداءهم أعداء الله جل و علا . موفقين لكل خير سماحة الأستاذ و لا تنسوني من صالح أدعيتكم الخالصة .

                                    أيوب الجعفري

                    يوم الخميس ٢٨ (٢٩) شوال ١٤٤٢ ق
الموافق ١٠ / ٦ / ٢٠٢١ م