علم الله – وحدة مفهوم الوجود

سؤال من احد المؤمنين

لماذا يوصف علم الله بالحضوري إذا كان المعلوم لم يحضر و علمه سبحانه علة مجبورة أزلية ذاتية؟

و سؤال آخر كيف يتحد الوجود مفهوما بالنسبة للخالق و المخلوقين و أصل إدراك مفهوم وجود المخلوق ينتزع منه أسبقية العدم بخلاف مفهوم وجود الخالق الأزلي الذي لا ينتزع منه مفهوم العدم؟!!؟!؟!؟!!!
وجود المخلوق مرهون بالعدم فيكون محدثا لاقترانه بالعدم و وجود الخالق ليس كذلك ، كيف جعلوا لمفهوم الوجود الذي هو في قبال العدم واحدا؟؟؟؟!
______________________________________________

 

الجواب :

سلام عليكم ورحمة الله وبركاته

العلم ـ و كما تعلمون ـ إما حضوري أو حصولي و الحضوري بمعنى حضور نفس المعلوم لدى العالم و الحصولي بمعنى حصول صورة منه لدى العالم و طبعا العلم بالصورة الحاصلة علم حضوري لحضور الصورة نفسها لدى العالم فهي معلومة بالذات و ذو الصورة معلوم بالعرض و بتبع معلومية الصورة ، و لا يُتصوّر كون العلم الالهي حصولياً و ذلك لأجل أن العلم الحصولي يعني أن المعلوم بالذات هو نفس تلك الصورة لا الموجود الخارجي ، و الموجود الخارجي معلوم بتبع معلومية تلك الصورة ما يعني أن ذوات الأشياء غير معلومة له تعالى غائبة عنه و.. و هو مستلزم لمحدودية الذات المستلزمة لتركبها المستلزم لحدوث الذات الأحدية المنافي لوجوب وجوده و … مضافاً إلى أن ذلك يقتضي كونه تعالى محلاً للعوارض و الحوادث و هو مستلزم لتغير الذات و المتغير حادث لا محالة … أضف إليه أن النقل الى جانب العقل يدل على أن العالَم في محضر رب العالمين ، نعم هناك بحث فلسفي عميق حول كيفية حضور المعلوم لدى العالم بشكل عام و حضور المعلوم و مخلوقات الكون لدى الله تعالى بشكل خاص و هل المعلوم الحاضر لديه معلوم له بالعلم الاجمالي الذي هو عين الكشف التفصيلي – و المقصود من الاجمالي هنا الاجمالي في المصطلح الفلسفي الذي يعني الحضور الجمعي و الوجود البسيط ، و المادة عين الغيبة و التشتت و التفرق … و تفصيله موكول الى محله ، لا الاجمالي بالمصطلح الاصولي الذي يعني العلم المحفوف بالجهل .. – أم أن المقصود أن العلم بالعلة علم بالمعلول و بما أن ذاته المقدسة علة جميع من سواه و هو عالم بذاته فهو عالم بجميع من سواه بعين علمه بذاته و ذاته حاضرة لذاته بل هي عين العلم بالذات بناء على التوحيد الصفاتي الذي نعتقد به ، و بعبارة أخرى علمه تعالى بذاته تفصيلي و بغيره اجمالي بمعنى الوجود البسيط لا المركب كملكة الاجتهاد التي هي أمر واحد بسيط في عين التفصيل لاشتمال هذه الملكة البسيطة على علوم كثيرة مع ما يترتب عليها و يتفرع منها ….

و العلية لا تعني المجبورية فالعلة إذا كانت طبيعية كعلية النار للحرارة فهي علة غير شاعرة – إن صدق عليها العلة الحقيقية حيث أن أمثال هذه الأمور علل معدة و ليست عللاً حقيقية – و العلة غير المدركة لا تكون مختارة و.. و أما إذا كانت العلةُ الذاتَ الالهية التي هي عين العلم و الارادة الذاتية – إن أثبتنا الارادة الذاتية – فلا معنى للإجبار فهو فاعل بالإرادة فإرادته علة الإيجاد و لا يمكن أن تكون الارادة إجبارية كما لا يخفى ، و أساساً الفاعل العالم المريد فاعل بالاختيار و إن لم يكن له إلا طريق واحد فالملائكة ليسوا مجبورين في أفعالهم بمعنى أن يكونوا مسلوبي الاختيار بل يفعلون ما يفعلون بالاختيار إلا أن طريقهم طريق واحد بمقتضى كونهم عقلاً محضاً ليس فيهم القوة الشوقية التي تتشعب الى الشهوية و الغضبية ..

و أما مفهوم الوجود فهل يمكن أن يكون للوجود مفهومان متناقضان أو متضادان ، ما يقابل الوجود إما هو العدم أو الماهية فإذا كان وجود الله غير وجود المخلوق مفهوماً فهل يعني أن وجوده بمفهوم العدم فيكون معدوماً سبحانه و تعالى عن ذلك أم أن مفهوم الوجود في الله بمعنى الماهية في حين أن الماهية حد الوجود و الوجود الواجبي لا حد له ، و حده أنه لا حد له إن صح التعبير .. فلا يمكن تصوير مفهوم آخر للوجود ، نعم الفرق بين الوجود الواجبي و الوجود الامكاني هو أن الأول لا حد له و هو غير متناهٍ و الثاني محدود متناهٍ ، الأول وجوده عين ذاته فلا ينفك عنه الوجود و لا ينفك عن الوجود و لا يمكن تصور الانفكاك مع العينية و الثاني ليس وجوده عين ذاته فهو مسبوق بالعدم و ما هو عين الوجود لا يمكن أن يكون مسبوقاً بالعدم.. – و بطبيعة الحال ليس المقصود أن حقيقة الوجود أو مفهومه مسبوق بالعدم بل الموجود الامكاني لم يكن متحققاً خارجاً فأعطاه الله الوجود فوُجد و الله تعالى ليس موجودا بمعنى أنه شيء ثبت له الوجود حتى يُتصور انفكاكه عن الوجود فيكون معدوماً فيلحقه الوجود بل هو عين الوجود و عين الوجود لا يجتمع مع العدم – و بذلك يتبين أن الوجود بما هو وجود لا يمكن انتزاع العدم منه حتى يقال أن وجود المخلوق ينتزع منه العدم دون وجود الخالق و هل هذا شيء غير اجتماع النقيضين ، بل المخلوق يعني ما لم يكن له وجود فأعطاه الله الوجود فمسبوقيته بالعدم ليس منتزعاً من وجوده بل من معلوليته و محدوديته ، و المحدودية تعني العدم خارج الحدود …

و عذراً على التطفل و الاطالة مع أن هذا المقدار غير كاف لإيصال المطلوب تماماً و من جميع الجوانب..

دعواتكم

أيوب الجعفري

https://telegram.me/ayoobaljafary