من أوجد الله ؟

السلام عليكم سماحة الشيخ

احد الاخوان سألني عن سؤال في العقائد
أشكل عليّ من قبل الكافر او المنكر لوجود الله عز و جل أو من باب أن سؤال خطر في بالي مفاده أنه إذا قلنا أن الله هو خالق الخلق فمن الذي خلق الله؟ فكيف اجيب وما هو الجواب لهذا السؤال؟

شكراً لكم سماحة الشيخ
____________________

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته

ممكن الوجود لا يمكن أن يوجد إلا بإيجاد الغير له لأن ممكن الوجود هو من يكون نسبته إلى الوجود و العدم على السواء فليس الوجودُ عينَ ذاته و لهذا يحتاج إلى علة توجده ، و أما الله تعالى فهو واجب الوجود بمعنى أن الوجودَ عينُ ذاته و ما يكون الوجود عين ذاته لا يكون فاقداً للوجود حتى يعطيه الوجودَ غيرُه ..

أما أنه واجب الوجود و عين الوجود فلأنه لو لم يكن كذلك لكان ممكن الوجود و ممكن الوجود ليس إلهاً بل مخلوق قد أوجده غيره فننقل الكلام إلى ذلك الغير فإن كان واجب الوجود كان عين الوجود فهو الإله لا ذلك الذي افترضتم أنه الله ، و إن كان ممكن الوجود كان محتاجاً إلى من يوجده و هكذا .. فيلزم الانتهاء إلى موجود يكون عين الوجود و هو الموجد لغيره و لا يحتاج إلى الإيجاد و هو الله و إلا لما وُجد شيء في الكون في حين أن الكون مليء بالموجودات … فلا يمكن أن نفترض أن الله تعالى قد أوجده غيره فإن ذلك يستلزم أن لا يكون هو الله بل من أوجده هو الله إذا كان الوجود عين ذاته …

و بطريق آخر : من يحتاج إلى الإيجاد هو من ليس الوجود عين ذاته أو من ذاتياته و أما من يكون عين الوجود و الوجود عين ذاته أو يكون الوجود من ذاتياته فلا يحتاج إلى الإيجاد لأنه موجود و الموجود لا يمكن إيجاده ، فوجود كل شيء من الله تعالى و وجود الله من نفسه لأنه هو الوجود أساساً ، و لتقريب المطلب إلى الذهن نقول أن رطوبة كل شيء من الماء و لكن رطوبة الماء من نفسه فلم يأخذ الماءُ الرطوبةَ من غيره و إلا لما كان ماءً فذاتي الماء كونه مرطوباً فلا يمكن افتراض الماء بلا رطوبة فلا يحتاج الماء إلى أن يعطيه الرطوبة أحد .. و كذا دسومة كل شيء من الدهن و لكن دسومة الدهن من نفسه و إلا لما كان دهناً ، فوجود كل شيء من الله و لكن وجود الله من نفسه لأنه عين الوجود و إلا لما كان هو الله ..

أيوب الجعفري

https://telegram.me/ayoobaljafary

____________________________________________________

مداخلة من إحدى مدرسات التربية الإسلامية :

ماشاءالله الفلسفة الاسلامية في البحث عن ذاتية الله
استخدام التقريب الذهني كتصور للاشياء ..اُسلوب اكثر من رائع لايصال المعلومة ، ولكن لدي وجهة نظر في ذلك مهما حاولنا ادراك ماهية الله من ناحية الوجود ومن اوجده لن تستطيع مداركنا فهم ذلك على اكمل وجه لان الله أوجد لنا عقول لها محدودية في الإدراك لايمكن ان تصل الى الفهم الواسع الشامل المتكامل لهذا الموضوع لان عقولنا يجري عليها النقصان والكمال لله تعالى وحده دون غيره ، لهذا هناك امور يجب ان نسلم بها من غير الخوض في مسائل كثيرة دقيقة حول هذا الموضوع بالذات لان مداخل الشيطان تكمن في هذه النقطة بالتحديد وعلى هذا توجب علينا الاستسلام والانقياد لله بالطاعه والعباده .. وصحيح ان مداركنا تستطيع ادراك الخالق من خلال مانراه من نعم كثيره حولنا وأنفسنا وهذا الكون الواسع والخ ….. ولكن لن نتمكن من ادراك ذات الله وكيف انه لايوجد له خالق وهكذا تسلسل لان مداركنا وصلت الى حد فهم ان كل سبب وله مسبب وكل ردة فعل نتيجة وجود فعل مسبق .. هذه البرمجه العقليه تجعلنا لا نتجاوز حدود هذا المنطق في التفكير لهذا الإيمان درجات ولهذا الايمان مصدره القلب ولهذا من احبه الله يشرح صدره للإسلام اذاًكلما كانت نوايانا وقلوبنا ومشاعرنا صادقة من الداخل كلما ترسخت فينا معرفة الله حقا من خلال الرسائل التي يبعثها الله للمؤمن في جميع المواقف الحياتية حيث تكون هذه الرسائل داعمه ومثبته للمرء على الدين ولهذا بين الله ان المضغة وهوه القلب اذا صلح صلحت باقي الاعضاء وأما العقل والمنطق والفلسفة من غير الاستعانة بالقلب تخلق شخصيات ملحدة والدليل وجود الكثير من الفلاسفة اصحاب العقول الكبيرة والدراسات العليا خاصة لدى الغرب ملحدين لان قلوبهم مغلفة فهم لديهم قلوب لايشعرون بها
اللهم ثبت قلوبنا على دينك

————————————————————-

الجواب :

نعم صحيح ، فالله موجود بسيط بمعنى أنه لا تركب في وجوده و البسیط لا حدود له فهو غير متناهٍ و اللامتناهي لا يمكن أن يدركه و يحيط به المتناهي و إلا لكان متناهياً و قد افترضناه غير متناهٍ و هذ خلف الإفتراض و .. و لمسألة عدم التناهي آثار أخرى أيضاً كمسألة التوحيد فعامة الناس عندما يقال لهم ما معنى التوحيد يقولون أن الله واحد لا ثاني له بينما التوحيد هو أدق من ذلك بكثير فكونه واحداً لا ثاني له حق و لكنه مرحلة بدائية من التوحيد و الأعمق من ذلك بساطة الوجود

بمعنى عدم تركبه تعالى – فالتركب آية الحاجة لأن المركب يحتاج إلى أجزائه و إلى من يرکِّبُ تلك الأجزاء و هو مستلزم للحدوث و عدم كونه تعالى قديماً لا أول له و.. إلى آخر ما يطول ذكره و يستوجب الدخول في الدقائق العقلية – و البساطة هي المُعَبَّر عنها في لسان الشريعة المقدسة بالأحدية قبال الواحدية و قوله تعالى : ” قل هو الله أحد ” إشارة إليها كما أن قوله تعالى: ” و لم يكن له كفواً أحد ” إشارة إلى الواحدية ، و إذا كان موجودٌ ما أحداً كان واحداً لا محالة – كما هو مبيَّنٌ في محله و قد يتبين بالدقة فيما ذكرناه – بل لا يمكن تحقق الثاني له و بما أن البسيط لا حدود له لم يمكن افتراض الثاني له أيضاً ( فليس التوحيد مجرد القول بأنه واحد لا ثاني له و لا القول بأنه لا يمكن تحقق الثاني بل لا يمكن افتراض الثاني أيضاً و هذا ما يحتاج إلى بيان أكثر لا يمكن الخوض فيه في هذا المختصر و خلاصته ما قاله أمير المؤمنين عليه السلام في قوله صلوات الله عليه عن التوحيد : ” واحد لا بعدد “) ..

و إذا كان موجوداً غير متناهٍ لم يمكن إدراكه و اكتناهه و الإحاطة العلمية بذاته المقدسة و لكن هذا لا يعني التعطيل و التوقف عن الخوض في معرفته تعالى بالقدر الممكن للبشر بل نقول : لولا المعرفة بالأحدية و التوحيد الخالص لما عرفنا أننا لا نتمكن من العلم بذاته و الإحاطة العلمية به تعالى .. هذا مضافاً إلى أننا نواجه الملحدين و المشكيين في وجود الله تعالى – و قد كثروا في الآونة الأخيرة – و لا نتمكن من تركهم و اللعب في بأفكار الشباب ، فهم أولا يشككون في وجود الله تعالى ثم يوردون شبهات من قبيل ما أشير إليه في السؤال السابق و هو أنه إذا كان الله خالق كل شيء فمن هو الخالق لله تعالى و أجبنا بأن من يحتاج إلى الموجِد هو ما ليس الوجود عين ذاته و الله تعالى عين الوجود فهو موجود بالذات و لا معنى لأن يعطيه غيرُهُ الوجودَ …

مضافاً إلى أن المعرفة إلى جانب العبادة هدف الخلق فقد قال تعالى : ” و ما خلقت الجن و الإنس إلا ليعبدون ” و قد فسرت العبادة في بعض الروايات بالمعرفة أي و ما خلقت الجن و الإنس إلا ليعرفون كما أن القرآن يجعل العبادة وسيلة لتحصيل اليقين و المعرفة حيث قال تعالى : ” و اعبد ربك حتى يأتيك اليقين ” و اليقين هو المعرفة كما أنه الموت كما في بعض الروايات و قد يكون تسمية الموت باليقين لأجل أنه موجب لليقين و المعرفة بالحقائق مضافاً إلى كونه بنفسه يقيناً لا شك فيه ، و قد ورد أيضاً في الحديث القدسي قوله تعالى : ” كنت كنزاً مخفياً فأحببت أن أعرف فخلقت الخلق لكي أُعرَف ” .. فعلينا أن نعرفه تعالى ..

و صحيح أننا لا نتمكن من معرفة الذات الإلهية و فالعقل و الأوهام عاجزة عن الإحاطة به تعالى لأسباب كثيرة منها كونها محدودة و هو غير محدود و قد قال الإمام الباقر عليه السلام : ” كل ما ميزتموه بأوهامكم في أدق معانيه فهو مخلوق لكم مردود إليكم ” و قال تعالى : ” لا تدركه الأبصار و هو يدرك الأبصار و هو اللطيف الخبير ” و لكن مع ذلك أمرونا بالمعرفة بل قد جُعلت المعرفة حكمة الخلق كما أسلفنا و قد ورد في كثير من الروايات أنه : ” من عرف نفسه فقد عرف ربه ” فيلزم أن يكون هناك نوع من المعرفة ممكناً لنا و لكن لا بمعنى الإحاطة بالذات المتعالية غير المتناهية و إدراكها بل المعرفة الأسمائية و بصفاته تعالى ، و نحن إذا عرفنا أنفسنا نتمكن من معرفة ربنا سبحانه و تعالى بقدر ما للعقل من سبيل إليه .. و طبعاً تفسير هذا الحديث الشريف – من عرف نفسه فقد عرف ربه – الذي يعد من غرر أحاديثنا يتطلب مجالاً واسعاً لا أتمكن من الخوض فيه حيث يمكن معرفة الخلّاقية بالإرادة بالخلاقية التي أودعها الله فينا حيث نخلق قي أذهاننا كل ما نريد بمجرد الإرادة و لكن الله يخلق ما يشاء في العالم الخارجي و الوجود العيني بمجرد الإرادة .. و نتمكن من معرفة دليل نسبة جميع أفعال المدبرات إلى الله تعالى مع أنها منسوبة إلى نفس المدبرات أيضاً كالإماتة المنسوبة إلى ملك الموت أحياناً و إلى الملائكة أخرى و إلى الله تعالى ثالثة فيقول في آية : ” قل يتوفاكم ملك الموت الذي وُکِّلَ بكم ” و في أخرى : ” تتوفاهم الملائكة طيبين .. ” و في ثالثة : ” الله يتوفى الأنفس حين موتها و التي لم تمت في منامها .. ” فإذا عرف الإنسان نفسه و قواه عرف دليل نسبة فعل المدبرات إليها تارة و إلى الله تعالى أخرى أخرى ، فنحن نبصر بالقوة الباصرة عن طريق العين و لكن نقول أنا رأيت و أبصرت كذا و لا نقول رأت عيني كذا ، و نسمع بالقوة السامعة المودعة في الأذن و لكن نقول أنا سمعت كذا ، و كذلك بالنسبة للتكلم و الإستشمام و التذوق و التعقل و التوهم و التخيل و الإحساس و .. فنقول أنا تكلمت و استشممت و تذوقت و عقلت و توهمت و… و كلمة ” أنا ” إشارة إلى الروح فالروح هي التي ترى و تسمع و تعقل و … و لكن عن طريق القوى المبثوثة في وجود الإنسان فهذه الأفعال في عين كونها أفعالاً لتلك القوى أفعا

لٌ للنفس الإنسانية التي هي صاحبة تلك القوى و كذلك بالنسبة لأفعال المدبرات فهي أفعالٌ لله تعالى في عين كونها أفعالاً للمدبرات و كون المدبرات هي الفعالة في طول كون الله تعالى فعالا فإنها كغيرهم من الموجودات جنود الله تعالى ” و لله جنود السموات و الأرض ” و إنما تفعل ما تفعل بإذن من الله تعالى أي بتمكين الله جل و علا و بقدرة ممنوحة لها من قبل الله تعالى و لولا ذلك لما تمكنت من تدبير الأمور كما أن القوى الإدراكية و التحريكية في الإنسان أيضاً قوى للنفس الناطقة و لولا النفس الناطقة الإنسانية لما كانت هذه القوى قادرة على إدراك شيء أو القيام بفعل و لهذا عندما يموت الإنسان لم تعد هذه القوى قادرة على القيام بوظائفها فلا الباصرة المودعة في العين تبصر و لا السامعة المودعة في الأذن تسمع و لا .. لأن الروح قد قطعت علاقتها بهذه القوى و هي لا شأن لها إلا كونها قوى الروح فلا تبقى مع قطع علاقة الروح عنها و .. و هناك مصاديق كثيرة غير ما ذكرناه للمعرفة بالنفس المؤدية إلى معرفة الرب جل و علا و هذا غير العلم بالذات الإلهية التي تعجز العقول عن إدراكها و الوصول إلى كنهها ..

موفقين لكل خير و لا تنسوني من صالح دعواتكم الكريمة ..

ليلة الإثنين ٣ ربيع الثاني ١٤٣٨ هـ ق
الموافق ۲ / ۱ / ۲۰۱۷ م

أيوب الجعفري

https://telegram.me/ayoobaljafary