*فاقد الشيء لا يعطيه*

*سؤال من أحد المؤمنين :*

سلام عليكم ورحمة الله وبركاته .. سؤال شيخنا

ما مدى صحة هذه الجملة المتناقلة في الكتب و الحوزات ” فاقد الشيء لا يعطي ” و في اي كتاب يمكنني ان اتوسع في هذا المطلب ؟

و في حال تم قبول هذا الكلام هل وجب ان نكون قدماء كقدم الله لكي يتماشى مع هذه الجملة .؟

*الجواب :*

و عليكم السلام ورحمة الله و بركاته

“فاقد الشيء لا يعطيه” قاعدة عقلية و في نفس الوقت عرفية – يستند إليها الناس في محارواتهم – و يشير إليها العلماء في بعض العلوم لا سيما العقلية منها و هي واضحة لا تحتاج إلى بيان و توسع و لهذا لم يتطرقوا لتوضيحها و إنما يستدلون بها و يطبقونها على مصاديقها ..

و المقصود منها أن الفاقد لكمالٍ ما لا يمكن أن يعطي غيره ذلك الكمال ففاقد الوجود لا يمكن أن يوجِد غيرَه و يعطيه الوجود كما أن فاقد الحياة لا يمكن أن يعطي الحياة لغيره و فاقد العلم لا يمكن أن يعلّم غيره و هكذا .. و هذا أمر بديهي لا يحتاج إلى بيان و لا إقامة برهان بل هو – و لبداهته – برهانٌ لغيره و لما يدعيه المستدل .. و بهذه القاعدة – بعنوان أحد الأدلة و ليست هذه القاعدة الدليل الوحيد على ذلك – نثبت أن الله تعالى حي عليم قدير مريد و .. لانه قد أعطى غيرَه الحياة و العلم و القدرة و الإرادة و .. فلا يمكن أن يكون هو فاقدا للحياة و العلم و القدرة و الإرادة و مع ذلك يعطيها للغير فهو تعالى حيٌّ عليمٌ قديرٌ مريدٌ و … إلا أن هذه الصفات – و عامة الصفات الذاتية – على أساس التوحيد الصفاتي عين ذاته المتعالية و هي عين بعضها البعض و إلا لزم تركُّب الذات المقدسة و هو مستلزم للحاجة و مناف للغنى الذاتي و المطلق كما أنه مستلزم للمحدودية و سبق العدم و توالي فاسدة أخرى ببيان قد أشرنا إليه في بعض أجوبتنا ..

و أما مسألة القِدَم فهي عكس المطلوب فإن مفاد القاعدة أن من يعطي شيئا فلا بد أن يكون هو واجدا لذلك الشيء لا أنه إذا كان الشيء واجدا لكمال فمعلوله يلزم أن يكون واجدا لذلك الكمال ، فالقِدَم وصف لله تعالى و ليس للمخلوق ، نعم لو كان وصفا للمخلوق لكنا نقول بأن الخالق المعطي الوجود لخلقه لا بد أن يكون قديما لأنه لا يمكن أن يعطي ما هو فاقد له، و لا يخفى أن القِدم وصف للوجود فاذا كان وجودٌ ما قديما لزم أن يكون معطي ذلك الوجود أيضا وجودا قديماً و أما إذا كان وجود المعطي قديما فلا يلزم أن يكون وجود المُعطى ( المخلوق ) أيضا قديما ..

نعم هناك أمر آخر و هو أن بعض موجودات عالم الإمكان قديمة زمانا لا ذاتا كأصل الزمان و أصل عالم الطبيعة حيث لم يكن زمانٌ لم يكن الزمان موجودا فيه لأن الزمان مقدار حركة المادة فقبل وجود و تحقق المادة خارجاً لم يكن زمان فإن الزمان يتولد بتولد المادة المتحركة فقبل الزمان لم يكن زمان ليكون الزمان حادثا زمانيا و في زمان بل هو قديم من حيث الزمان فقط لا من حيث الذات و قد يحتاج هذا الأمر إلى بيان أكثر إلا أنه في النهاية غير مسألة أن فاقد الشيء لا يعطيه .. ففاقد الشيء لا يعطي الكمال الذي لا يكون هو واجدا له لا أنه إذا كان واجدا لكمال فلا بد أن يعطي غيره ذلك الكمال .. و الخلاصة ان القاعدة منطبقة على عكس ما تفضلتم به ..

موفقين لكل خير ..
دعواتكم الكريمة ..

أيوب الجعفري

يوم السبت ١٦ شوال ١٤٤٢ ق
الموافق ٢٩ / ٥ / ٢٠٢١ م