*الفرق بين التدبر و التفسير*
*استفسار من أحد المؤمنين :* ماهو الفرق بين التدبر و التفسير حيث يقول سبحانه و تعالى في كتابه المجيد بسم الله الرحمن الرحيم أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب اقفالها … ___________________________________________________
*الجواب*
السلام عليكم ورحمة الله و بركاته ..
التدبر يعني التأمل و التفكر إلا أن التدبر يعني النظر و التأمل في عواقب الأمور و أدبارها و التفكر هو النظر و التأمل في الأدلة و البراهين ..
هذا فيما يتعلق بمعنى التدبر إجمالا، و أما الفرق بين تفسير القرآن الكريم و التدبر فيه فهناك اتجاهات مختلفة فمنهم من قال بأن التفسير بمعنى كشف معنى اللفظ و إظهاره فمعنى تفسير القرآن هو إظهار معاني آياته من خلال بيان معاني ألفاظه بمراجعة كتب اللغة و الروايات و الآيات المشابهة للآية التي يراد تفسيرها مضافا إلى ضرورة معرفة العلوم الدخيلة في فهم الآيات، قال العلامة الطباطبائي قدس سره الشريف “التفسیر هو بیان معانی الآیات القرآنیة و الکشف عن مقاصدها و مدالیلها” .. و قيل : إن التفسير – الذي هو من الفسر بمعنى الإظهار – مأخوذ من السَّفْر الذي هو أيضا بمعنى الكشف و الإظهار إلا أن البعض يرى أنهما مختلفان في مورد الاستعمال فالفسر و التفسير يستعملان في كشف و إظهار المعاني العلمية و المعقولات و السفر يستعمل في إظهار الأشياء العينية الخارجية و المحسوسات ..
و الجدير بالذكر أن التفسير يتعلق بما فيه نوع من الغموض و أما الألفاظ و الكلمات الواضحة التي يعرفها كل عارف باللغة العربية فلا يصدق التفسير على ذكر معانيها لعدم حاجة تلك المعاني إلى الكشف و الإظهار ..
و أما التدبر فهو التأمل في الآية أو الآيات المشابهة لها في اللفظ و المعنى، لاستكشاف ما وراء الألفاظ من الإشارات و البواطن و الحقائق التي تريد الآيات الوصول – أو الإيصال – إليها فإن للقرآن ظهرا و بطنا و لبطنه بطن .. فالتفسير هو إزالة الحجاب و الغموض من الألفاظ للتوصل إلى المعاني، و التدبر هو التأمل بدقة عقلية و صفاء قلبي للتوصل إلى بواطن القرآن و رموزه و حقائقه ..
و بذلك يتبين أنه من الممكن أن لا نكون بحاجة إلى تفسير بعض الآيات لوضوحها لغويا و عدم حاجتها إلى الكشف و لكن نحتاج إلى التدبر فيها لاستكشاف ما وراءها من حقائق و بواطن بقدر ما أوتينا من علم و ما حققناه من صفاء القلب و طهارته و نورانيته ..
و هناك اتجاهات أخرى في معنى التفسير و التدبر حيث أن هناك من يرى – بتوضيح منا – أن التدبر هو التفسير الصحيح المبتني و المعتمد على القرآن الكريم و السنة الشريفة مع وجود خلفية ذهنية مبتنية على الأسس العلمية الصحيحة و الدقيقة حيث أن هناك آيات لا يعرف مغزاها من لم تكن لديه إلمام ببعض العلوم الاعتبارية و الحقيقية و بعض العلوم العقلية و النقلية، و على هذا الأساس يكون التدبر مرادفا للتفسير الصحيح و بالحق و يقابله التفسير بالرأي و هو التفسير الباطل أو التفسير بالباطل و غير الحق فيتم تحميل فرضيات و مفروضات ذهنية مسبقة على القرآن بما لا يتحمله لفظ الآية و لا روح القرآن الكريم، و ذلك لتحقيق أهداف شخصية أو حزبية أو .. و إضلال و إغواء عامة الناس و .. و على هذا الأساس يكون التدبر بمعنى التفسير الحق و الصحيح قبال التفسير بالرأي ( و قد أشار أمير المؤمنين عليه السلام في الخطبة ١٣٨ التي يؤمي فيها إلى الملاحم و يبتدئ فيها بذكر أحد أوصاف الإمام المنتظر عليه السلام و عجل الله فرجه الشريف فيما يتعلق بما سيقوم به بعد ظهوره صلوات الله عليه، فأشار عليه السلام إلى هذين القسمين من التفسير – التفسير الصحيح و بالحق و التفسير بالرأي – فيقول في وصف الامام المهدي المنتظر عليه السلام : “و يعطف الرأي على القرآن إذا عطفوا القرآن على الرأي” ) ..
و هناك اتجاه آخر – قريب من الاتجاه السابق – يقول بأن التدبر هو تفسير الآيات بالآيات الأخرى و تطبيق الآيات على الأخرى و هو ملازم للحركة الفكرية لأن التدبر في الآيات يؤدي إلى إيضاح الآيات المتشابهة ( أي التي يشبه بعضها البعض و المتقاربة من حيث المفاهيم و المداليل، و ليس المراد الآيات المتشابهات قبال الآيات المحكمات، فالتدبر في الآيات يؤدي إلى إيضاح الآيات المتشابهة ) و المتحدة في المعنى و المعارف فيتمكن الإنسان بذلك من تحصيل المعاني الأصلية و لبّ الآيات القرآنية، و طبعا لا بد أن يكون التدبر في آيات القرآن بفكر خال و قلب طاهر متمشيا مع التعقل .. ( راجع مقدمة تفسير المحيط الأعظم ج١ ص ٤١ )
موفقين لكل خير محروسين من كل سوء و شر بحق محمد و آله الطاهرين صلوات الله عليهم أجمعين ..
دعواتكم الكريمة ..
أيوب الجعفري
ليلة الجمعة ٢٩ ربيع١ ١٤٤٣ ق
الموافق ٥ / ١١ / ٢٠٢١