*هل من رازق غير الله تعالى ؟*

*سؤال من أحد المؤمنين :*

سلام عليكم شيخنا الفاضل .. تقبل الله اعمالكم .

شيخنا .. هل هناك رازق غير الله بإمكانه رزق الآخرين؟

*الجواب :*

     و عليكم السلام و رحمة الله و بركاته

      بسم الله الرحمن الرحيم

        ليس لأحد غير الله تعالى عطية لا في أصل الوجود و لا في كمالاته و لا في النعم المادية و المعنوية بنحو استقلالي فلا رازق غير الله تعالى كما لا محيي و لا مميت و لا منعم و لا مشرّع و لا شافع و لا شافي و لا ..  غير الله تعالى إلا أن ذلك لا ينفي أن يكون هناك مُحْيٍ و مميتٌ و رازقٌ و شافعٌ و … بإذن الله تعالى و الإذن في أمثال هذه الأمور يعني التمكين و إعطاء القدرة على الفعل فيرجع الفعل إلى الله تعالى بمعنى أن الفعل الصادر من غير الله تعالى بتمكين منه جل و علا فعلُ الله تعالى كما أن الفعل الاختياري الصادر من الإنسان يرجع في سلسلة العلل الطولية إلى الله تعالى فصحيح أن الإنسان هو الفاعل بالإختيار لأفعاله الاختيارية و سيُحاسب عليها فيثاب أو يعاقب إلا أن الله تعالى هو الذي أعطاه القدرة على الفعل و على الاختيار و الإرادة ففعل الإنسان فعلٌ له و في نفس الوقت فعل لله تعالى لأنه هو المُفيض عليه القدرةَ على الفعل و على الإرادة و الاختيار و لولا هذه القدرة المفاضة عليه من قِبل الله تعالى لما تمكن من فعل شيء و هذا من جملة ما يفسر لنا قولَه تعالى : “و الله خلقكم و ما تعملون” – مضافا الى ما يُفهم من سياق هذه الآية مع ما قبلها حيث يستفاد منهما أن الله تعالى هو الخالق لهم و للأصنام التي ينحتونها و يعملونها بأيديهم ، فمضافا إلى هذا المعنى يستفاد من الآية أن الله تعالى خالق للإنسان و عمله – فالعمل عملنا و مع ذلك هو مخلوق لله تعالى بخلقه لنا و إعطائه إيانا القدرةَ على العمل و .. و كذا قوله تعالى : “فلم تقتلوهم و لكن الله قتلهم و ما رميت إذ رميت و لكن الله رمى” فمع أنه يُسند القتل إلى المسلمين و الرمي إلى النبي صلى الله عليه و آله و سلم، مع ذلك ينفيهما عنهم و عن النبي صلى الله عليه و آله و سلم و ذلك لأنهم قد فعلوا ذلك حقيقةً بقوتهم و قدرتهم و إرادتهم و لكن الله تعالى هو من أقدرهم على ذلك و أفاض عليهم الإرادة و القدرة على القتل و الرمي – مضافا الى الأبعاد المعرفية في الآية الكريمة – و هذا معنى ما ورد عن الإمام الصادق عليه السلام : “لا جبر و لا تفويض بل أمر بين الأمرين” أو أنه من جملة مراتبه، و بيانه التفصيلي موكول إلى محله ..

        و الرزق – بمعناه المصدري – أيضا فعل الله تعالى كما أن الرزق بمعنى النعمة التي يُرزَق بها العباد ملكٌ لله تعالى مخلوق له جل و علا فلا يملك أحد شيئاً من نفسه كي يرزق غيره كما لا يقدر أحد من فعل شيء – كأن يرزق غيره – من تلقاء نفسه فالله تعالى هو الرزاق لا غير كما أنه المالك الحقيقي لجميع الأرزاق دون غيره فإذا نسبنا الرزق أو أي فعل آخر – حتى الأعمال المتعارفة – إلى الغير فإنما نقصد أنه فاعل بالإذن لا بالاستقلال قبال الله تعالى – فإن استقلالية غير الله تعالى في الأعمال الصادرة منهم منافٍ للتوحيد الخالص في مختلف جوانبه و قد بيّنّا ذلك في بعض الأجوبة حول المسائل التوحيدية – كما قال تعالى : “و ما نقموا إلا أن أغناهم اللهُ و رسولُه من فضله” و قال جل و علا : “و قالوا حسبنا الله سيؤتينا اللهُ من فضله و رسولُه إنا إلى الله راغبون” فنسب الإغناء و الإيتاء إلى الله و الرسول صلى الله عليه و آله و سلم إلا أنه أفرد الضمير في “فضله” ليبين لنا أن الفضل فضلُ الله تعالى و الرسول يغني و يؤتي من فضل الله تعالى ..

موفقين لكل خير ..
دعواتكم الكريمة …

                        أيوب الجعفري

يوم الأحد ٢٢ ربيع٢ ١٤٤٣ ق
الموافق ٢٨ / ١١ / ٢٠٢١م
———————————————————————

*سؤال آخر من المستفسر الموقر :*

سلام عليكم شيخنا الفاضل تقبل الله اعمالكم

هل الرزق فقط رزقان .. رزق تطلبه و رزق يطلبك…أم أن هناك ارزاق أخرى .. أم أن جميع الأرزاق المادية و المعنوية تدخل ضمن هذان الرزقان؟

ممكن امثلة على ذلك؟

*الجواب :*

    و عليكم السلام ورحمة الله و بركاته

        جميع الأرزاق المتعلقة بشخص الإنسان داخلة في هذين القسمين و أما عموم الأرزاق المتعلقة بشخص الإنسان و غيره فمن جهة يمكن القول بعدم دخول بعضها في القسمين فلا يطلبها الإنسان و لا تطلبه فمثلا الأرزاق المعنوية التي تكون خارجة عن قدرة الإنسان على تحملها و لم يكن فيه قابلية حملها كالنبوة و الإمامة لعامة الناس فهذه النعم لا تطلب الإنسان و لا يطلبها فيكون الحصر المستفاد من تقسيم الرزق إلى ما يطلب الإنسان و ما يطلبه الإنسان، إضافيا ؛ إلا أنه – و من جهة أخرى – يمكن إدخال ذلك بطريق آخر في القسمين فنقول أن الإنسان أيا كان يطلب الكمال بل الكمال المطلق و هو – أي طلب الكمال – أمر فطري فالنبوة و فوقها الإمامة العظمى من جملة ما يطلبه الإنسان لأنهما من مصاديق الكمال و إن لم يتمكن من الوصول إليهما لعدم القابلية لا للإستحالة و عدم الإمكان ذاتا، فيكون الحصر حقيقيا ..

          هذا و قد فسّر العلامة المجلسي الأول رضوان الله تعالى عليه الرزقَ الذي يطلبه الإنسانُ بالزيادة على الكفاف و الذي يطلب الإنسانَ بالكفاف أو الكفاف مع الزائد إذا كانت فيه مصلحة، و يؤيد هذا التفسير ما ورد في ذيل الرواية التي تقسم الرزق إلى الطالب و المطلوب حيث يقول أمير المؤمنين عليه السلام : الرزق رزقان رزق تطلبه و رزق يطلبك فإن لم تأت أتاك فلا تحمل همّ سنتك على همّ يومك، كفاك كل يوم ما فيه ..، و على هذا الأساس يكون المقصود من الرزق الرزق المادي الذي يحتاج إليه الإنسان لإمرار معاشه و بقاء حياته و .. فيلزم أن لا يهتم الإنسان له لأن الله تعالى سيرزقه الكفاف بل و الزيادة مع اقتضاء المصلحة فينحصر الرزق في القسمين، و أما إذا قلنا بأن الرزق هنا شامل للرزق المعنوي من العلم و المعارف و درجات القرب إلى الله تعالى فتفسيره ما سبق بيانه من أنه يمكن أن يكون الحصر إضافيا كما يمكن أن يكون حقيقيا بالبيان المذكور  ..

موفقين مسددين ..

                                 أيوب الجعفري

                       يوم الأحد ٢٢ ربيع٢ ١٤٤٣ ق
الوافق ٢٨ / ١١ / ٢٠٢١م