سلام عليكم شيخنا العزيز
يستشكل البعض على الفقهاء على أنهم مخالفين لأوامر المعصومين عليهم السلام ، وذلك لسلوكهم طريق العرفان والفلسفة ، على أنهم يخلطون الحق والباطل عند سلوك هذا الطريق ، ويأخذون أغلب علومهم من المخالفين والمتصوفيين أمثال ابن العربي ، وأن هذا الطريق منهي عنه في اقوال المعصومين عليهم السلام ، بدليل هذه الرواية :
عن الشيخ المفيد عن احمد بن محمد بن الحسن بن الوليد عن ابي محمد بن الحسن عن سعد بن عبد الله عن محمد بن عبد الله عن محمد بن عبد الجبار عن الامام الحسن العسكري (عليه السلام) انه قال لابي هاشم الجعفري : يا ابا هاشم سيأتي زمان على الناس وجوههم ضاحكه مستبشره وقلوبهم مظلمه متكدره. السنه فيهم بدعه والبدعه فيهم سنة المؤمن بينهم محقر والفاسق بينهم موقر امراؤهم جاهلون جائرون وعلماؤهم في ابواب الظلمة سائرون اغنيائهم يسرقون زاد الفقراء واصاغرهم يتقدمون على الكبراء وكل جاهل عندهم خبير وكل محيل عندهم فقير لايميزون بين المخلص والمرتاب ولايعرفون الضأن من الذئاب علماؤهم شرار خلق الله على وجه الارض لانهم يميلون الى الفلسفه والتصوف وايم الله انهم من اهل العدول والتحرف يبالغون في حب مخالفينا ويضلون شيعتنا وموالينا ان نالوا منصبا لم يشبعوا عن الرشاء وان عبدوا عبدوا الله على الرياء ألا انهم قطاع طريق المؤمنين والدعاة الى نحلة الملحدين فمن ادركهم فليحذرهم وليصن دينه وايمانه ثم قال :يا ابا هاشم هذا ما حدثني ابي عن ابائه عن جعفر بن محمد (عليهم السلام) وهو من اسرارنا فاكتمه الا عن اهله
مستدرك الوسائل 112380
الجواب :
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
هناك روايات في الأبحاث العقلية لا سيما في التوحيد بمختلف أبعاده لا يمكن فهمها و الوصول إلى مغازيها من دون دراسة الفلسفة و العلوم العقلية و هذا يتنافى و رد الفلسفة من الأساس ، و ظاهر هذه الرواية المنقولة من المستدرك – و طبعا المستدرك أيضاً ينقلها عن كتاب حديقة الشيعة المنسوبة للمقدس الأردبيلي و قد استشكل بعض العلماء في صحة النسبة وإن قال بعض آخر بصحة انتسابه إليه و لكن في النهاية النسبة مشكوكة مع أن المنسوب للأردبيلي هو القول بوحدة الوجود بمعناه الصحيح بل يظهر من حواشيه على التجريد أنه كان من الفلاسفة لا المخالفين للفلسفة – نعم ظاهر هذه الرواية أن هناك علماء في أبواب الظلمة سائرون و أن العلماء لميلهم للفلسفة و التصوف هم شرار الخلق و يصفهم بأنهم من أهل العدول و التحرف يبالغون في حب مخالفينا و… و من المعلوم أن الفلاسفة الإلهيين من الإمامية ليسوا كذلك بل يؤكدون على السير على مسلك الدين و القرآن و أهل البيت عليهم و السلام فهذا صدر المتألهين – و هو من أكبر الفلاسفة على الإطلاق – كثيراً ما يستند إلى الآيات و الروايات لإثبات مقاصده ففي مسألة تجرد النفس بعد إثبات ذلك بالأدلة و البراهين العقلية يذكر أدلة من القرآن الكريم و الروايات و قبل أن يذكر الآيات و الروايات يقول : ” فلنذكر أدلة سمعية لهذا المطلب حتى يعلم أن الشرع و العقل متطابقان في هذه المسألة كما في سائر الحِكميات و حاشا الشريعة الحقة الإلهية البيضاء أن تكون أحكامها مصادمة للمعارف اليقينية الضرورية و تباً لفلسفة تكون قوانينها غير مطابقة للكتاب و السنة .. ” فالذم الوارد في هذه الرواية إنما هو للعلماء الذين يميلون للفلسفة و التصوف المبالغين في حب أهل الخلاف الآكلين لأموال الناس بالرشا العابدين لله رياءً و.. و أما إذا كان الفيلسوف يستند في إثبات مطالبه الفلسفية إلى الكتاب و السنة مضافاً إلى البراهين العقلية فليس مشمولاً لهذا الحديث …
و من جهة أخرى الفلسفة علم يبحث عن الوجود بما هو وجود ومن جملة أبحاثه إثبات وجود الله وتوحيده في الذات و الصفات و الأفعال و … من طريق العقل و لا مناص من إثبات هذه الأمور بالعقل و القرآن و السنة أيضاً يذكران أدلة عقلية على هذه الأمور ولست هنا بصدد ذكر المصاديق كما أنني لست بصدد بيان ضرورة الاستناد إلى البراهين العقلية في إثبات المبدء المتعالي و لكن يكفي أن نشير إلى أنه لا يمكن إثبات المبدء تعالى بكلامه نفسه لأنه سيقول المنكر أنه كيف تثبتون وجود الله بكلام من تقولون أنه الله فالإستناد إلى كلامه يعني أنه موجود و أنه قد ثبت وجوده في حين أنكم تريدون أن تثبتوا أنه موجود ، و لهذا يلزم أن يكون المستند برهاناً عقلياً و القرآن و السنة أيضاً في مبحث إثبات وجود الله تعالى يذكران براهين عقلية لا نقلية بحتة فلا يثبتان وجود الله بالقول بـ “أن الله موجود بلا ريب “ فإن ذلك مما لا يتقبله المنكر ، بل يقول القرآن في اثبات وجود الله تعالى مثلاً : ” أم خلقوا من غير شيء أم هم الخالقون ، أم خلقوا السموات و الأرض بل لا يوقنون ” فهذا برهان عقلي ذكره القرآن و هذا بخلاف المسائل الفقهية فإنها لا تحتاج إلى إقامة البرهان بل يقول أقم الصلاة ، و لله على الناس جح البيت و…. ، والخلاصة أن الفلسفة علم يبحث عن الوجود بشكل عام و عن وجود الله تعالى بشكل خاص بطريق البرهان العقلي الذي يعتمده القرآن و السنة أيضاً و إذا كان هناك من الفلاسفة من يخالف الدين في عمله و لا يستند إلى الأدلة الشرعية فهذا لا يعني أن الفلسفة أو الطريقة العقلية في إثبات المعتقدات مذمومة في الشريعة فإن هذا الذم وارد بالنسبة للعلماء غير العاملين بعلمهم أيضاً و لكن لا يقول أحد بأن العلم مذموم لأن بعض العلماء يفعلون كذا و كذا ، فيلزم أن نميز بين العلم و بين العالم الذي لا يعمل بعلمه فذم هذا العالم لا يعني ذم علمه و كذا ذم العالم الذي يميل إلى الفلسفة و التصوف مع سائر الصفات المذكورة لا يعني أن الفلسفة و التصوف مذمومان – نعم للتصوف اطلاقات مختلفة بعضها مذموم و لكن الفلاسفة الالهيون لا يميلون إلى ذلك التصوف المذموم كما أننا نجد أن كثيراً من الفلاسفة يعيشون حياة مادية بسيطة جداً و ليس لهم من المال إلا ما يسدون به جوعهم أحياناً فلا ينطبق عليهم الصفات الواردة في هذا الحديث – …
و أما أن العلماء يخلطون الحق و الباطل فلا ريب أن هذا ينطبق على البعض و لكنهم فيها العصر قلة مقارنة إلى مجموع العلماء ، كما أن الفقهاء لا يأخذون علومهم من المخالفين و لا من الفلاسفة و العرفاء أيضاً فإن الفقهاء يستندون في إثبات الأحكام الشرعية إلى الكتاب و السنة و الإجماع و العقل فقط و طبعاً هذا يحتاج إلى بيان لا يمكن الغور فيه في هذه العجالة فإن حجية الإجماع و العقل و حدود حجيتهما و … يحتاج إلى تفصيل خارج عن نطاق هذا المختصر .. و أساساً الفقه علم مختلف عن الفلسفة و التصوف فلا يمكن أن يأخذ الفقيه علمه منهما..
و أما أن ابن عربي من المخالفين فلم يثبت ذلك بل هو مختلف فيه فمنهم من يعده من السنة ومنهم من يعده من الشيعة و منهم من ينسب إلى الزندقة ، و الأرجح هو أنه من الإمامية الإثني عشرية بل هذا هو المؤكد عند الكثيرين و الشاهد على ذلك هو أنه يعتقد ـ كما في كتابه الفتوحات المكية – بالمهدي المنتظر بنفس عقيدة الشيعة الإثني عشرية من أنه من أهل البيت و من أولاد الحسين عليه السلام و أنه ابن الامام الحسن العسكري و أنه قد وُلد عام ۲۵۵ هـ ق و أنه حي و سيطول عمره و أنه لا يمكن أن تخلو الأرض من الحجة … و هو من يقول في كتاب ” الدر المكنون و السر المكتوم ” – كما ينقل عنه العلامة حسن زاده الآملي – أنه قال: بأن أسرار القرآن بعد النبي صلى الله عليه وآله وسلم عند أمير المؤمنين عليه السلام ثم يعدّ الأئمة واحداً تلو الآخر حتى يصل إلى الامام المهدي عليه السلام ..
ويقول في الفتوحات أيضاً أن أمير المؤمنين أقرب الناس إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم و هو سر الأنبياء أجمعين … فلا يمكن القول بأنه كان من المخالفين و إن كان له كلام في مدح بعض الخلفاء أيضاً إلا أنه من الممكن أنه صدر منه تقية فإنه من الأندلس و الأندلسيون آنذاك لم يكونوا من المخالفين فحسب بل يقول الشهيد المطهري أن غالبيتهم كانوا من النواصب، و قد نُقل أنه كان ابن العربي يعيش في دولة يحكمها أتباع و موالوا بني أمية ..
أيوب الجعفري