إثبات عصمة الأئمة عليهم السلام بالروايات الصحيحة

بسم الله الرحمن الرحيم .. كان لنا لقاء مع أحد الإخوة الذين قد حدثت لهم بعض الشكوك و الشبهات حول عصمة أهل البيت عليهم فاستدللنا عليها بآيات متعددة كآية التطهير و آية طاعة أولي الأمر ( بتقريبين ) و آية إيراث الكتاب و … كما ذكرنا بعض الأحاديث و منها الحديث الآتي نقلُه عن غيبة النعماني – و لا داعي لنقل الاستدلالات في هذا المختصر – .. فطلب مني هذا الاخ بواسطة أحد المؤمنين أن أرسل له ذلك الحديث حيث أنه واضح الدلالة على العصمة من عدة جوانب كما أنها معتبرة بل صحيحة سندا فأرسلته له فكتب بعد ذلك ردا ، فإليكم الحديث مع رد المُحاوِر و جوابه :

*المصاحب للمحاور :*

من غير أمر الحديث اذا ترسلونه جدا ممتاز ..

*الجواب :*

بسم الله الرحمن الرحيم

عن محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن الحسن بن محبوب، عن إسحاق بن غالب، عن أبي عبد الله جعفر بن محمد (عليهما السلام) في خطبة له يذكر فيها حال الأئمة (عليهم السلام) و صفاتهم ، فقال : ” إن الله تعالى أوضح بأئمة الهدى من أهل بيت نبيه (صلى الله عليه وآله) عن دينه ، وأبلج بهم عن سبيل منهاجه ، وفتح لهم عن باطن ينابيع علمه ، فمن عرف من أمة محمد (صلى الله عليه وآله) واجب حق إمامه وجد حلاوة إيمانه ، و علم فضل طلاوة إسلامه ، أن الله تعالى نصب الإمام علما لخلقه ، وجعله حجة على أهل طاعته ، ألبسه الله تاج الوقار ، و غشاه من نور الجبار ، يمد بسبب إلى السماء ، لا ينقطع عنه مواده ، و لا ينال ما عند الله إلا بجهة أسبابه ، و لا يقبل الله الأعمال للعباد إلا بمعرفته ، فهو عالم بما يرد عليه من مشكلات الدجى ، و معميات السنن ، و مشتبهات الفتن ، فلم يزل الله يختارهم لخلقة من ولد الحسين (عليه السلام)، من عقب كل إمام ، فيصطفيهم كذلك و يجتبيهم ، و يرضى بهم لخلقه و يرتضيهم لنفسه ، كلما مضى منهم إمام نصب عز و جل لخلقه إماما علما بينا ، وهاديا منيرا ، و إماما قيما ، و حجة عالما ، أئمة من الله يهدون بالحق وبه يعدلون ، حجج الله و دعاته و رعاته على خلقه يدين بهديهم العباد ، و تستهل بنورهم البلاد ، وينمو ببركتهم التلاد ، جعلهم الله حياة للأنام ، و مصابيح للظلام ، و مفاتيح للكلام ، و دعائم للإسلام ، جرت بذلك فيهم مقادير الله على محتومها . فالإمام هو المنتجب المرتضى ، و الهادي المجتبى، و القائم المرتجى ، اصطفاه الله بذلك و اصطنعه على عينه في الذر حين ذراه ، وفي البرية حين برأه ظلا قبل خلقه نسمة عن يمين عرشه ، محبواً بالحكمة في علم الغيب عنده ، اختاره بعلمه ، و انتجبه لطهره بقية من آدم ، و خيرة من ذرية نوح ، و مصطفى من آل إبراهيم ، و سلالة من إسماعيل ، و صفوة من عترة محمد (صلى الله عليه و آله) ، لم يزل مرعيا بعين الله يحفظه بملائكته ، مدفوعا عنه وقوب الغواسق ، و نفوث كل فاسق ، مصروفا عنه قوارف السوء ، مبرأ من العاهات ، محجوبا عن الآفات ، معصوما مصونا من الفواحش كلها ، معروفا بالحلم و البر في يفاعه ، منسوبا إلى العفاف و العلم و الفضل عند انتهائه ، مسندا إليه أمر والده ، صامتا عن المنطق في حياته ، فإذا انقضت مدة والده وانتهت به مقادير الله إلى مشيئته ، و جاءت الإرادة من عند الله فيه إلى محبته ، و بلغ منتهى والده (عليه السلام)، فمضى وصار أمر الله إليه من بعده ، و قلده الله دينه ، و جعله الحجة على عباده ، و قيمه في بلاده ، و أيده بروحه ، و أعطاه علمه ، و استودعه سره ، و انتدبه لعظيم أمره ، و أنبأه فصل بيان علمه ، و نصبه علما لخلقه ، و جعله حجة على أهل عالمه ، و ضياء لأهل دينه ، و القيم على عباده ، رضي الله به إماما لهم ، استحفظه علمه ، و استخبأه حكمته ، و استرعاه لدينه ، و أحيى به مناهج سبيله ، و فرائضه وحدوده ، فقام بالعدل عند تحير أهل الجهل ، و تخيير أهل الجدل بالنور الساطع ، و الشفاء البالغ ، بالحق الأبلج ، و البيان اللائح من كل مخرج ، على طريق المنهج ، الذي مضى عليه الصادقون من آبائه (عليهم السلام) ، فليس يجهل حق هذا العلم إلا شقي ، ولا يجحده إلا غوي ، و لا يدعه إلا جَرِيٌّ على الله ” .

المصدر : الغيبة للنعماني رحمه الله تعالى ص ٢٣١ – ٢٣٣ :

 

*رد المحاور على الحديث :*

 

هلا شيخنا : بالنسبه للحديث هذي الي كتبته … بإيجاز :

۱ – لا توجد هذه الرواية في جميع نسخ الغيبة للنعماني ، و لعلها أضيفت من كتاب الكافي للكليني ، هذا على فرض أن نسخة كتاب الغيبة التي بأيدينا هي صحيحة النسبة له.

۲ – لم يرد بحق الشجاعي (الناقل الوحيد لكتاب الغيبة عن النعماني) أي توثيق في كتب الرجال عند الشيعة، بل لم يعنونوه أصلاً، وإنما ذكره النجاشي (عرضاً) في ترجمة (النعماني).

۲ – سلامة السند لا يعني سلامة المتن.

٤ – السند وإن كان ظاهره الصحة، فقد يشكل عليه من وجوه و إن كانت هذه الوجوه لا تخلو من كلام، منها رواية أوردها الكليني تدل على ذم أحمد بن محمد بن عيسى ، و أنه كان شديد التعصب في العروبة ، و منها قول الكشي أن أحمد بن محمد بن عيسى لا يروي عن ابن محبوب ، من أجل أن أصحابنا يتهمون ابن محبوب في أبي حمزة الثمالي .

 

*الجواب :*

 

سلام عليكم و رحمة الله و بركاته و أسعد الله أيامكم و متباركين بذكرى مبعث النبي الأكرم صلى الله عليه و آله و سلم ..

١ – الرواية موجودة في كتاب الغيبة مضافا إلى أن سندها معتبر سواء كانت الرواية من كتاب الغيبة أم من الكافي ، و إذا كانت الرواية في الكافي فهذا مؤيد آخر و ليس نافياً لصحتها ..

و أما الإشكال في صحة انتساب الكتاب إلى النعماني فهو غير وارد فإنه قد اعتمده أعلام الطائفة قديما و حديثاً من الشيخ المفيد و الشيخ الطوسي و الشيخ المفيد الثاني و من بعدهم من أعلام الفقه و دراية الحديث كالحر العاملي و .. إلى المحققين من المعاصرين من الفقهاء و المراجع و من جملتهم أستاذنا الشيخ التبريزي قدس سره الشريف الذي كان من جملة أقوى الفقهاء و علماء الرجال في هذا العصر و .. فلا مجال للتشكيك في نسبة الكتاب الى النعماني رضوان الله تعالى عليه و إلا أمكن التشكيك في كل شيء حتى الصلاة و الصوم و تفاصيلهما و ..

٢ – و أما الشجاعي فمضافاً إلى تعظيمه و الترحم عليه من قبل أعاظم الطائفة المحقة ، هو من المشاهير و لم يرد فيه قدح و القاعدة الرجالية تدل على وثاقة من يكون هكذا فإن المشاهير لو كان فيهم قدح لشاع و ذاع فعدم وجود قدح فيه دليل قوي على وثاقته و إن لم يكن هناك تعظيم له و ترحُّمٌ عليه من قبل أعاظم علماء الرجال ، نعم غير المشاهير لا يكفي عدم ورود القدح فيهم لإثبات وثاقتهم و أما المشاهير فواضح أنه ينتشر منهم أدنى زلة فعدم انتشار ذلك و عدم ذكر قدح فيهم من أي أحد من علماء الرجال و غيرهم دليل قاطع على حسن ظاهرهم و حسنُ الظاهر دليل و أمارةُ العدالةِ في الإمامي و الوثاقةِ في غيره ..

٣ – إذا لم يكن المتن منافياً للقرآن و السنة القطعية بل كانت الآيات و الروايات الكثيرة تدل على ما ورد في ذلك المتن و لم يكن خدشٌ في السند ، لم يكن معنى لانكاره .. يلزم الابتعاد عن الخلفيات الذهنية التي نريد أن نثبتها بأي طريق كان .. قد أثبتنا ( في الحوار الذي دار بيننا ) من القرآن و الروايات عصمة الأئمة عليهم السلام و قلنا أن الروايات إذا كانت متواترة فلا داعي لسلامة السند كما قُرِّر في محله، و هناك روايات و أدعية و خطب و زيارات كثيرة بل هي من كثرتها فوق حد التواتر بكثير ، تدل على عصمتهم عليهم السلام ثم نذكر رواية صحيحة السند فتقولون أن سلامة السند لا يعني سلامة المتن ، هذا أمر غريب جداً فإنه لو كانت الرواية مخالفة لنص أو ظاهر القرآن الكريم أو الروايات الأخرى كان لنا أن نقول أن سلامة السند لا يدل على سلامة المتن و أما مع صحة السند و دلالة الآيات و الروايات الكثيرة على ما ورد في هذا المتن فلا معنى لانكاره بل حتى لو لم يكن هناك ما يؤيد الرواية و افترضنا أن الآيات و الروايات الأخرى لا تدل على ما ورد في المتن و لكنها لا تخالفه أيضاً لم يكن لنا إنكار ما ورد في المتن ما دامت الرواية معتبرة سنداً غير منافية للاصول الاعتقادية و .. فكيف بما إذا كانت الآيات و الروايات تدل دلالة واضحة و ظاهرة على ما في المتن ، فنحن نريد أن نثبت ما ورد في الشرع لا ما تَرَسَّخَ في أذهاننا كي ننكر ما دلت عليه الرواية مع سلامة سندها حسب الافتراض و قوة دلالتها كما يظهر من ردكم الاعتراف بها ..

٤ – ظهر جواب هذه النقطة مما سبق ، و ما ذُكر في هذه النقطة لا يدل على عدم التوثيق و لا يمكن التمسك بأمثال هذه الأمور لإثبات عدم اعتبار الرواية مع تنصيص علماء الرجال على وثاقة أحمد بن محمد بن عيسى ..

موفقين لكل خير و لا تنسوني من صالح أدعيتكم الخالصة ..

أيوب الجعفري

ليلة الأحد ٢٧ رجب الأصب ١٤٤١ ق
الموافق ٢٢ / ٣ / ٢٠٢٠ م

https://telegram.me/ayoobaljafary