*حكمة الإطالة في العبادات الندبية*

سؤال من أحد المؤمنين دامت توفيقاتهم : ما حكمة قرأة او الإطالة في قرأة عدد السور في الصلوات المستحبة فمثلا تجد في بعض الصلوات المستحبة قرأة ١٠٠ مرة سورة الإخلاص بعد الحمد على سبيل المثال. لا نريد أن نقيس و لكن نريد الحكمة من ذلك. على سبيل التوضيح ما فرق بين إن يقرأ ١٠ مرات او خمس مرات. وهذا ينطبق على كثير من الاعمال المستحبة فهي تركز على الإطالة و التكرار . جزاكم الله خيرا. و منكم نستفيد. ” فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ” .صدق الله العلي العظيم.

______________________________________

الجواب :

سلام عليكم و رحمة الله و بركاته و طابت أوقاتكم بكل خير ..

بسم الله الرحمن الرحيم

يحتاج هذا الموضوع الى بسط و تفصيل ليس لدي حاليا مجال للخوض فيه .. و خلاصة الكلام أنه لم يكلف الله تعالى عباده إلا بما يكون في وسعهم و قد جعل الواجبات و الأحكام الإلزامية بقدرٍ يتمكن غالب الناس من امتثالها بل قد روعي فيها – أي في الأحكام الإلزامية من الواجبات و المحرمات – حال أضعف الناس و مع ذلك إذا أدّت هذه الواجبات إلى الوقوع في المشقة الشديدة لأحد تنزّل التكليف إلى ما هو مقدور له فإذا لم يتمكن من القيام في الصلاة مثلا أمكنه الجلوس و إذا لم يتمكن من الركوع و السجود كفاه الإيماء لهما و .. هذا في الواجبات و سائر الأحكام الإلزامية و أما المستحبات فهي – و لأجل كونها غير إلزامية و يتمكن المكلف من العمل بها و يمكنه تركها – فهي كثيرة فيأخذ و يعمل بها كل مكلف بقدر طاقته و وسعه و اهتمامه بالعبادة و همته في كسب الكمالات ، و بما أنه لا طاقة للجميع بأن يعمل و يمتثل جميع هذه المستحبات مضافا إلى أن كثيرا منهم ليس لهم تلك الإرادة القوية و النشاط الذي يساعدهم على الاتيان بجميع هذه المستحبات بقدر وسعهم و سعة وقتهم و .. باعتبار ذلك و لأسباب أخرى لم يكلفهم الله تعالى بهذه المستحبات تكليفا إلزاميا أي أنه لم يجعلها واجبات بل جعلها مستحبات ليأخذ و يعمل كل منهم بقدر طاقته و همته ( و هذا ما يستفاد من حديث تشريع الصلاة ليلة الإسراء و المعراج أيضا ) ..

و من المعلوم أن القرب إلى الله تعالى هو الكمال الحقيقي للعبد و لا يتحقق القرب إلا بالمعرفة و التعبد و العبودية لله و عبادته جل و علا و كلما كانت العبادة أكثر و أعمق و كانت مشتملة على شروط القبول – من الإخلاص و حضور القلب و المعرفة و .. – أكثر كان تأثيرها في تحصيل الكمال بالقرب إلى تعالى أكثر ، و العبادات الواجبة – مع ترك المعاصي – تكفي لتحصيل أصل القرب و النجاة من العذاب و الفوز بالجنة بل قد تؤدي إلى درجات عالية من القرب و لكنها لا تكفي لنيل المراتب العليا من الكمال و القرب و لهذا قد عُوّض ذلك بالمستحبات فلم يجعلها واجبة لئلا يكلف الجميع بما لا يطيقون و لم يغلق الباب كي لا يُحرَم المشتاقون بل فتح باب التقرب الأكثر بجعل مستحبات إلى جانب الواجبات ليأخذ و يعمل كل منهم بقدر وسعه و همته في نيل الكمال و القرب و قد أشرنا إلى أنه كلما كانت الأعمال القربية أكثر ( مع غض النظر عن الأبعاد المعرفية الموجبة لتحقق القرب بأقل الأعمال احيانا لأهل المعرفة – و مع ذلك لا يكتفون و لا يقتنعون بالقليل و مجرد الالتزام بالأحكام الالزامية فقط – و لكن ليس الجميع من أهل المعرفة أو المعرفة الكاملة ) كان التقرب أكثر و كلما كرر الإنسان الأعمال العبادية حتى اللفظية منها ترسخت مفاهيمها أكثر و تحققت حقيقة العبودية التي هي جوهرة كنهها الربوبية بمرتبة أعلى و أرقى فإن التكرار هو الموجب عادةً لتحقق و ترسُّخ الصفات و الملكات الكمالية و الفضائل القيمية و الأخلاقية كما أنه يوجب ازدياد حضور القلب و التوجه إلى الله تعالى و لهذا ورد عن الإمام الصادق عليه السلام – مع أنه من جملة المعصومين بالعصمة الكبرى و من أعظم العارفين بالله تعالى – ورد عنه أنه خرّ مغشيا عليه في الصلاة عندما كان يكرر “إياك نعبد و إياك نستعين” فسُئل عن ذلك فقال : “ما زلت أردد هذه الآية حتى سمعتها من قائلها ” ..

موفقين لكل خير و لا تنسوني من صالح أدعيتكم الخالصة ..

أيوب الجعفري

ليلة السبت ٦ شعبان ١٤٤٢ ق
الموافق ٢٠ / ٣ / ٢٠٢١م

https://telegram.me/ayoobaljafary