أيوب الجعفري:
بسم الله الرحمن الرحيم
الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر و ثورة الحسين عليه السلام – الجزء الثالث – :
فضل فريضة الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر : الفرائض الإلهية لها آثار عظيمة في تحقيق هدف التكوين والتشريع كما سنشير إليه في محله إن شاء الله تعالى، ومضافاً إلى ذلك نرى أن الله تعالى قد جعل للعمل بها أجراً عظيماً ومثوبات مضاعفة و حكمته – إلى جانب التشجيع للعمل بها – أن نتمكن من بلوغ الدرجات العُلى من الكمال كما أن الإنسان مهما سعى وجدّ واجتهد لا يمكنه أداء حق من حقوق الله تعالى كما لا يتمكن من إحصاء نِعَمِهِ جل وعلا لأنه هو بتمام وجوده وقواه وأعضائه وجوارحه و.. ملكٌ طِلْق لله تعالى وهو بتمام ذاته وصفاته وأفعاله من نِعَمِ الله تعالى فإذا صلى فقد استخدم مجموعة عظيمة من نعم الله تعالى ونفس استخدامه وإعماله لتلك النعم وكذا توفيقه لهذه العملية أيضاً من نعم الله عليه : “وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها” فبماذا يريد أن يؤدي حق الله تعالى؟ فهو عين القصور مضافاً إلى التقصيرِ في إعمال النعم والإستفادة منها في سبيل تحصيل رضاه جل وعلا والتفريطِ بحقه تعالى بالابتعاد عنه بارتكاب المعاصي وعوذا به تعالى و.. فلولا أن الله قد منّ علينا بقبولِ أعمالنا ومضاعفةِ ثوابها وجَعْلِها وسائلَ للقرب إليه ولتحصيل الكمال الذي لا يحصل إلا بالقرب لديه لما تمكنّا من نيل السعادة والقرب إليه جل جلاله …
ومن جملة الفرائض التي ورد التأكيد الأكيد عليها وجُعلت ملاكاً وميزاناً للفضل والكمال والقرب لدى الله تعالى هي فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وليتبين لنا الأمر بكل وضوح نشير إلى بعض الآيات والروايات الصادرة من معادن العلم وأهل بيت الوحي فنقول :
هناك آيات متعددة تدل على عظيم فضل هذه الفريضة منها ما أشرنا إليه سابقاً من آية ولاية المؤمنين على بعضهم البعض حيث جعلت القيام بهذه الفريضة علامةً لتلك الولاية – بالمعنى المشار إليه سابقاً – بل يمكن القول بأنها قد جعلت القيام بها من مقومات تلك الولاية فلولاها لما تحققت الولاية الإيمانية بين المؤمنين، ومما يؤكد أهميةَ هذه الفريضة في تحقيق تلك الولاية تقديمُها على إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة وطاعة الله ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم حيث قال جل وعلا : “المؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة ويطيعون الله ورسوله أولئك يرحمهم الله إن الله عزيز حكيم” فمع أن الصلاة والزكاة من الاركان المهمة للإيمان وهما من وسائل ارتباط العبد بربه وبالخلق، ومع أن الصلاة معراج المؤمن تعرج بروحه إلى عالم الملكوت وهي قربان كل تقي تقربه إلى من هو عين الكمال فيحصل له الكمال بذلك… مع كل ذلك نجد أنه تعالى قدم فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على الصلاة والزكاة وجعلها المُقَوِّمَ الأول والأهم لتحقيق الولاية الإيمانية، كما أننا نجد أنه تعالى قد جعل ملاك كون المؤمنين من الأمة الإسلامية العاملين بمقتضى إيمانهم، خيرَ الأمم، كونَهم آمرين بالمعروف ناهين عن المنكر، ولأهميتها قدّمها على نفس الإيمان بالله تعالى مع أن الإيمان هو الاصل والقيام بهذه الفريضة كسائر الفرائض متفرع عليه، وقد يكون التقديم لهذا السبب أي أنه تعالى ذكر فرعاً من فروع الإيمان ثم ذكر الأصل تنبيهاً على القاعدة العامة والأصل في صدور الاعمال الصالحة واجتناب المعاصي والسيئات، ومع ذلك لا يخلو هذا التقديم عن التنبيه على أهمية فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فقوله جل وعلا : “كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ ..” – سورة آل عمران : ١١٠ – بيان لملاك كون المؤمنين من الأمة الإسلامية – لا جميع من يدّعي انتماءه إلى الأمة – خیرَ الأمم وهو قيامهم بهذه الفريضة ذلك لإيمانهم بالله تعالى (فالإيمان الحقيقي هو السبب في القيام بهذه الفريضة كما أن القيام بهذه الفريضة سبب لكونهم خير الأمم) .. وإنما قلنا أن المؤمنين من الأمة هم خير الأمم لا جميع الامة الإسلامية لأنه تعالى قد جعل ملاك كونهم خير الأمم قيامهم بواجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ومن المعلوم أن في الأمة من لا يقوم بهذه الفريضة فلم يتحقق فيهم ملاك الخيرية .. مضافاً إلى ما أشرنا إليه سابقاً وسيأتي توضيحه في محله من أنه ليس الجميع مؤهلين للقيام بفريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بل يجب توفر شروط وصفات خاصة في القائمين بها تجعلهم متمكنين من القيام بها فلا محالة يكون المقصود خواص الأمة لا جميعهم ولهذا نجد تفسير الأمة في هذه الآية في بعض الروايات بالأئمة المعصومين عليهم السلام إلا أن ذلك من باب الجري والتطبيق على أتم المصاديق بل المصداق الكامل للأمة فإن غيرهم مهما بلغوا من درجات الكمال لم يخرجوا عن حدود النقص علماً وعملاً ومعرفةً ، فالمعصومون عليهم السلام هم المصداق التام والكامل للأمة التي هي خير الأمم (وقد جُعل ذلك في الآية ١٥٧ من سورة الأعراف من صفات النبي الخاتم صلى الله عليه وآله وسلم حيث قال تعالى : “الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ .. “) فهم عليهم السلام خير الامم، وبعدهم – من دون قياس لأنه : “لا يقاس بآل محمد صلى الله عليه و آله من هذه الأمة أحد ..” كما عن أمير المؤمنين عليه السلام في النهج الشريف – سائر خواص الأمة الأمثل فالامثل، ولهذا قد ورد في الآيات السابقة على هذه الآية في سورة آل عمران أنه يلزم أن تكون أمة خاصة تقوم بفريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لا جميع الناس كما سيأتي في محله ..
وهناك آيات متعددة أخرى تدل على فضل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ولكن نكتفي بهذا المقدار لكي لا نخرج عن طور الإختصار ، وسنشير في الجزء التالي إلى بعض الروايات في هذا المجال تتميماً للفائدة بعون المعبود جل وعلا ..
أيوب الجعفري
ليلة الجمعة ٤ محرم الحرام ١٤٤٠ ه ق
الموافق ١٤ / ٩ / ٢٠١٨ م
https://telegram.me/ayoobaljafary